هل تصح صلاة من كبر خلف الصف منفردا ثم دخل في الصف؟

أولاً:

لا ينبغي للمسلم أن يصلي وحده خلف الصف مع وجود فرجة في الصف بحال، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الصفوف، ونهى عن صلاة المنفرد خلف الصف.

وقد سبق في الموقع فتوى مفصلة بأدلتها حول وجوب إتمام الصفوف وتسويتها فيرجع إليها: (158560).

ثانياً:

اختلف أهل العلم في صلاة المنفرد خلف الصف: هل تصح أو لا تصح؟

فذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد: أنها تصح، مع الكراهة.

وذهب الحنابلة -في المشهور من مذهبهم- وطائفة من السلف: إلى أنها لا تصح. وهو فتوى اللجنة الدائمة .

والراجح: صحة صلاة المنفرد خلف الصف إن كان انفراده لعذر؛ كضيق الصف، وعدم صحتها إن كان انفراده لغير عذر، وهو رواية عن أحمد، واختيار ابن تيمية، وابن عثيمين رحم الله الجميع.

يقول ابن القيم رحمه الله: "وسمعتُ شيخَ الإسلام ابن تيميّة – يُنْكِرُ أن يجرّ الرجل أحدًا من الصف ليصف معه- ويقول: يُصلِّي خلفَ الصَّفِّ فذًّا، ولا يجذبُ غيرَه، قال: وتصحّ صلاتُه في هذه الحالة فذًّا، لأن غايةَ المُصَافَّةِ أن تكونَ واجبةً فتسقط بالعُذْر" انتهى من "بدائع الفوائد (3/973)، وانظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/327).

وقد سبق في الموقع بيان أقوال العلماء في أصل المسألة وبيان أدلتهم فيرجع إليه: (11199)، (14376)، (194500).

ثالثاً:

من كبر تكبيرة الإحرام خلف الصف وحده، مع وجود مكان في الصف، ثم انضم معه بجانبه مصلٍّ، وهو قائم، فإن صلاته منعقدة عند المذاهب الأربعة، وحُكي ذلك اتفاقاً.

جاء في "مجموع فتاوى ابن تيمية" (23/397): "وأما حديث أبي بكرة: فليس فيه أنه صلى منفردا خلف الصف، قبل رفع الإمام رأسه من الركوع؛ فقد أدرك من الاصطفاف المأمور به، ما يكون به مدركاً للركعة، فهو بمنزلة أن يقف وحده، ثم يجيء آخرُ فيصافُّه في القيام؛ فإن هذا جائز باتفاق الأئمة" انتهى.

وفي "فتح الباري" لابن رجب (7/ 125): "وأما إذا زالت فُذُوذيته، قبل أن يرفع من الركوع فقد أدرك الركعة في الصف، فلا يكون بذلك فذاً؛ ولهذا لو قام خلف الإمام اثنان فأحرم أحدهما قبل إحرام الآخر، لم يكن في تلك الحالة فذاً بالاتفاق. وقد حكي عن جماعة من أصحابنا الاتفاق على [صحة] تكبيرة الإحرام فذاً " انتهى.

ومن صلى منفرداً خلف الصف، ثم لحقه آخر وصف بجانبه أثناء الركوع، قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، فصلاته صحيحة عند المذاهب الأربعة.

انظر: "المغني" (2/22)،  "الإقناع" للحجاوي الحنبلي(1/170)، "غاية المنتهى" (1/224).

رابعاً:

على القول ببطلان الصلاة للمنفرد خلف الصف؛ كما هو المشهور من مذهب الحنابلة، فما الضابط في الانفراد الذي يبطل الصلاة؟

للإمام أحمد في ذلك روايات، والمعتمد عند الحنابلة: أن من صلى منفرداً خلف الصف ركعة كاملة، فقد بطلت صلاته.

قال في "الإقناع" (1/170): "فإن وقف خلفه-أي: خلف الإمام- أو عن يساره وصلى ركعة كاملة: بطلت" انتهى. انظر: "المغني" (2/22)، "غاية المنتهى" (1/224).

وفي "الإنصاف للمرداوي" (4/438): "مفْهومُ كلام المُصَنِّفِ في قوله: (وإن صلَّى ركْعَةُ فَذًّا، لم تصِحّ): أنَّه إذا لم تَفُتِ الرَّكْعَةُ، حتَّى دخَل معه آخَر، أو دخَل هو في الصَّفِّ، أنَّه لا يكون فَذًّا، وأنَّ صلَاته صحيحةٌ. وهو كذلك، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ" انتهى.

وانظر: "بدائع الفوائد" (3/971) "فتح الباري" لابن رجب (7/122، 126، 136).

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة/2" (6/ 349):

"من صلى خلف الصف وحده ركعة أو أكثر مع الإمام، ولم يأت من يصف معه، رجل أو طفل مميز: فإن صلاته باطلة، لا تصح؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمنفرد خلف الصف ، ولما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة . رواه الإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه، وسنده ثقات.

أما إن صلى خلف الصف، ثم جاء من يصف معه، ولو طفلا مميزا، قبل أن يسجد الإمام السجدة الأولى من الركعة التي دخل فيها مع الإمام منفردا - فإن صلاته صحيحة، لانتفاء انفراده في هذه الحالة.

وعلى ذلك؛ فإن صلاة ذلك المنفرد الذي صلى خلف الصف، ركعة كاملة وحده، مع الإمام قبل أن يجيء من يصف معه - باطلة للحديثين السابقين، وحيث لم تصح الركعة التي صلاها منفرداً مع الإمام فإنه لا يجوز أن يبني عليها صلاته، ويلزمه إعادة تلك الصلاة من أولها" انتهى.

والله أعلم.