سؤالي بخصوص الميراث، وأن للذكر مثل حظ الانثيين، لأنه مسؤول عن النفقة منذ الصغر، أنا وأمي نعمل، والمسؤولات عن النفقة، من فواتير: إيجار، طعام، ملبس، رغم إن لدي إخوة رجال أكبر مني، ولكنهم لا يرتضون حمل المسؤولية، ولا يعتمد عليهم، وأمي طيبة جدا، ولا قوة لها عليهم، ولا لأحد من العائلة كلام عليهم، لأن كل رجال العائلة على نفس المنوال، فهل تطبق عليهم تقسيمة الميراث هذه رغم طباعهم، وإنها لا تنطبق عليهم حكمة تقسيم الميراث هذه؟ وجميعهم فوق سن الثلاثين.
أولا:
الميراث تولى الله تعالى قسمته بنفسه، ولم يكله لاجتهاد أحد، فقال في ميراث الأولاد: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) النساء/11.
وختم آيات الميراث فقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13- 14.
فمن غير شيئا في أحكام المواريث: كان عاصيا، متعديا لحدود الله، فإن استحل ذلك كان في النار خالدا مخلدا فيها.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، رحمه الله:
“القول في تأويل قوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }.
يعني بذلك جل ثناؤه: “ومن يعص الله ورسوله”، في العمل بما أمراه به من قسمة المواريث، على ما أمراه بقسمة ذلك بينهم، وغيرِ ذلك من فرائض الله، مخالفًا أمرهما، إلى ما نهياه عنه.
(ويتعدَّ حدوده)، يقول: ويتجاوز فصُول طاعته، التي جعلها تعالى فاصلة بينها وبين معصيته، إلى ما نهاه عنه من قسمة تركات موتاهم بين ورثتهم وغير ذلك من حدوده.
(يدخله نارًا خالدًا فيها): يقول: باقيًا فيها أبدًا، لا يموت ولا يخرج منها أبدًا.
(وله عذاب مهين). يعني: وله عذاب مذِلٌّ مَن عُذِّب به، مُخزٍ له.
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك:
حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (ومن يعص الله ورسولا ويتعد حدوده)، الآية: في شأن المواريث التي ذكر قبل.
قال ابن جريج: (ومن يعص الله ورسوله)، قال: من أصابَ من الذنوب ما يعذب الله عليه.
فإن قال قائل: أوَ مُخَلَّدٌ في النار من عصى الله ورسوله في قسمة المواريث؟
قيل: نعم، إذا جمع إلى معصيتهما في ذلك شكًّا في أن الله فرض عليه ما فرض على عباده في هاتين الآيتين، أو علم ذلك، فحادَّ الله ورسوله في أمرهما؛ على ما ذكر ابن عباس من قول من قالَ حين نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ) إلى تمام الآيتين: أيُورَّث من لا يركب الفرس ولا يقاتل العدوَّ ولا يحوز الغنيمة، نصفَ المال، أو جميع المال؟ = استنكارًا منهم قسمةَ الله ما قسم لصغار ولد الميت، ونسائه، وإناث ولده!!
فمن خالف قسمةَ الله ما قسم من ميراث أهل الميراث بينهم، على ما قسمه في كتابه، وخالف حكمه في ذلك وحكم رسوله، استنكارًا منه حكمهما، كما استنكره الذين ذكر أمرَهم ابن عباس، ممن كان بين أظهُر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين الذين فيهم نزلت وفي أشكالهم هذه الآية = فهو من أهل الخلود في النار، لأنه باستنكاره حكمَ الله في تلك، يصير بالله كافرًا، ومن ملة الإسلام خارجًا”. انتهى، من “تفسير الطبري” (8/71-73).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (118682)، ورقم: (301192).
ثانيا:
ليس في القرآن أو السنة أن الحكمة في تفضيل الذكر على الأنثى كون الذكر هو المسئول عن النفقة، وإنما هذا يذكره بعض العلماء اجتهادا، وقد تكون الحكمة ما هو أعم من ذلك، ككون الرجل يدفع المهر، ويجاهد، ويسافر للكسب، وغير ذلك.
والحكمة لا يتخلف الحكم بتخلفها، بل يبقى الحكم ولو انتفت جميع هذه الحكم، فقد يكون الابن عاقا فاسدا متواكلا تاركا للمسئولية، فيعطى من الميراث كما أمر الله، وفساده على نفسه، ويأثم به.
وذلك كما ذكر العلماء في حكمة قصر الصلاة والفطر في السفر وأنها المشقة، قالوا: فلو كان السفر لا مشقة فيه، فإن القصر والفطر جائزان؛ لأن الحكم لا يتخلف بتخلف حكمته، وأما العلة فيتخلف الحكم بتخلفها.
فالعلة هنا كون هذا الذكر ابنا، فلو لم يكن كذلك لم يرث، والعلة في مسألة القصر والفطر هي السفر.
قال الأمين الشنقيطي رحمه الله: ” ومثاله المسافر سفر ترفه كالنائم على محمل، فإن أكثر أهل العلم على أن له أن يترخص بسفره ذلك، فيقصر الصلاة ويفطر في رمضان؛ لأن العلة التي هي السفر موجودة…
ووجه بقاء الحكم هنا مع انتفاء حكمته: هي أن السفر مظنة المشقة غالباً، والمعلل بالمظان، لا يتخلف بتخلف حكمته، اعتباراً بالغالب، وإلغاء للنادر” انتهى من “مذكرة في أصول الفقه”، (ص329)
والإنفاق ليس قاصرا على الذكر في جميع الأحوال، بل الأنثى يلزمها الإنفاق على نفسها إن كان لها مال، ويلزمها الإنفاق مع إخوانها على أمهم، لو كانت الأم فقيرة. وقد يلزم المرأة أن تنفق على أخيها بشروط معروفة، كأن تكون غنية، وهو فقير، وليس له ابن ذكر، أي سترث أخاها لو مات.
لكن في حال الزوجية، الرجل يلزم بالإنفاق على زوجته، ولو كانت غنية.
والمقصود: أن مسألة الإنفاق ليست مطردة، وإذا توفي الأب مثلا، وترك ابنا وبنتا فقط، فسيعطى الابن ضعف أخته، مع أنه لا يلزمه النفقة على أخته لو كان لها مال.
والحاصل:
أن الميراث لا تغيير فيه، وأنت مسئولة عن الإنفاق على نفسك، وعن بعض نفقة والدتك، لو كانت فقيرة ولك مال. ولست مسئولة عن الإنفاق على إخوانك القادرين على الكسب، فلك الامتناع عن ذلك، لا سيما إذا أعطي الواحدُ منهم نصيبَه من الميراث، وصار ذا مال.
وينبغي أن ينصح الابن المتهاون، وأن يذكر بما هو واجب عليه من نفقة وغيرها.
والله أعلم.