0 / 0

هل يلزمه إعطاء أغراضه لمن طلبها؟ وهل يثاب إن أعطاها كرها أو بسيف الحياء؟

السؤال: 544983

بعض الأشخاص يطلبون أغراضي، وأعطيها لهم مع كرهي لذلك، حتى لا أحرجهم بالرفض، فهل علي إثم بسبب كرهي لذلك؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الاجابة

الحمد لله

أولا:

لا حرج في طلب الأشياء التي جرت عادة الناس بإعارتها فيما بينهم، وهو الماعون الذي ذم الله من منعه، على أحد التفاسير.

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (10/ 214): " وقول ثالث: أنه اسم جامع لمنافع البيت، كالفأس والقدر والنار، وما أشبه ذلك، قاله ابن مسعود، وروي عن ابن عباس أيضا" انتهى.

ثانيا:

من علم أن غيره يعطيه بسيف الحياء: حرم عليه الأخذ، ووجب الرد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) رواه أحمد (20172)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).

قال في "تحفة المحتاج" (6/ 317): "وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء: حرم الأخذ، ولم يملكه. قال الغزالي: إجماعا" انتهى.

وقال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية" (3/ 30): " ألا ترى إلى حكاية الإجماع على أن من أُخذ منه شيء على سبيل الحياء، من غير رضا منه بذلك: لا يملكه الآخذ. وعللوه بأن فيه إكراها بسيف الحياء، فهو كالإكراه بالسيف الحسي، بل كثيرون يقابلون هذا السيف، ويتحملون مرار جرحه، ولا يقابلون الأول؛ خوفا على مروءتهم ووجاهتهم التي يؤثرها العقلاء، ويخافون عليها أتم الخوف" انتهى.

وقال في (3/ 373): " وقد صرح الأئمة في المُهدي حياء، ولولا الحياء لما أهدى، أو خوف المذمة، ولولا خوفُها لما أهدى= بأنه يحرم أكل هديته؛ لأنه لم يسمح بها في الحقيقة، وكلُّ ما قامت القرينة الظاهرة على أن مالكه لا يسمح به: لا يحل تناوله" انتهى.

 

ثالثا:

لا يلزمك إعطاؤك أغراضك لغيرك، وإنما يلزم الإنسان أن يعطي لغيره إذا كان الغير مضطرا إلى ما عنده، والمالك غير مضطر إليه.

قال ابن قدامة في "المغني" (9/335):

" إذا اضطُّر، فلم يجد إلا طعاما لغيره، نظرنا:

فإن كان صاحبه مضطرا إليه، فهو أحق به، ولم يجز لأحد أخذه منه؛ لأنه ساواه في الضرورة، وانفرد بالملك؛ فأشبه غير حال الضرورة. وإن أخذه منه أحد، فمات: لزمه ضمانه؛ لأنه قتله بغير حق.

وإن لم يكن صاحبه مضطرا إليه: لزمه بذله للمضطر؛ لأنه يتعلق به إحياءُ نفس آدميٍ معصوم، فلزمه بذلُه له، كما يلزمه بذل منافعه في إنجائه من الغرق والحريق.

فإن لم يفعل فللمضطر أخذه منه؛ لأنه مستحق له دون مالكه؛ فجاز له أخذه، كغير ماله.

فإن احتيج في ذلك إلى قتال، فله المقاتلة عليه، فإن قتل المضطر فهو شهيد، وعلى قاتله ضمانه، وإن آل أخذه إلى قتل صاحبه، فهو هدر؛ لأنه ظالم بقتاله، فأشبه الصائل.

إلا أن يمكن أخذه بشراء، أو استرضاء: فليس له المقاتلة عليه؛ لإمكان الوصول إليه دونها " انتهى .

وقال البهوتي في "كشاف القناع" (6/ 199): " (ومن اضطر إلى نفع مال الغير، مع بقاء عينه) أي المال، (لدفع برد أو حر، أو) لـ(استقاء ماء، ونحوه) كالمقدحة: (وجب) على ربه (بذله) للمضطر إليه، (مجانا) أي: من غير عوض؛ لأن الله تعالى ذم على منعه مطلقا، بقوله: {ويمنعون الماعون} [الماعون: 7] بخلاف الأعيان كما تقدم" انتهى.

رابعا:

لا تأثم إن أعطيت كرها أو حياء.

وقد روى أحمد (11004) عن عُمَرَ قال: "يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا يُحْسِنَانِ الثَّنَاءَ، يَذْكُرَانِ أَنَّكَ أَعْطَيْتَهُمَا دِينَارَيْنِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَكِنَّ وَاللهِ فُلَانًا مَا هُوَ كَذَلِكَ، لَقَدْ أَعْطَيْتُهُ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَى مِائَةٍ، فَمَا يَقُولُ ذَاكَ!! أَمَا وَاللهِ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُخْرِجُ مَسْأَلَتَهُ مِنْ عِنْدِي يَتَأَبَّطُهَا)- يَعْنِي تَكُونُ تَحْتَ إِبْطِهِ- يَعْنِي نَارًا!!

 قَالَ: قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تُعْطِيهَا إِيَّاهُمْ؟

قَالَ: (فَمَا أَصْنَعُ؛ يَأْبَوْنَ إِلَّا ذَاكَ، وَيَأْبَى اللهُ لِي الْبُخْلَ)" وصححه شعيب الأرنؤوط.

 

خامسا:

الذي يظهر أنك لا تثاب على ذلك إلا إذا ابتغيت الثواب، وقصدت مرضاة الله؛ لقوله تعالى: ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء/114.

فالنفع المتعدي سماه الله خيرا، لكن لا ثواب عليه إلا مع ابتغاء مرضات الله.

قال ابن رجب رحمه الله: "فنفى الخير عن كثير مما يتناجى به الناس؛ إلا في الأمر بالمعروف، وخص من أفراده: الصدقة والإصلاح بين الناس؛ لعموم نفعها، فدل ذلك على أن التناجي بذلك خير.

وأما الثواب عليه من الله: فخصه بمن فعله ابتغاء مرضات الله.

وإنما جعل الأمر بالمعروف من الصدقة والإصلاح بين الناس وغيرهما، خيرا، وإن لم يبتغ به وجه الله؛ لما يترتب على ذلك من النفع المتعدي، فيحصل به للناس إحسان وخير.

وأما بالنسبة إلى الآمر، فإن قصد به وجه الله وابتغاء مرضاته، كان خيرا له، وأثيب عليه، وإن لم يقصد ذلك لم يكن خيرا له، ولا ثواب له عليه" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/67). .

 

والله أعلم.

الصدقة

معاملات

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android