والدتى مريضه مرض التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض يصيب الجهاز العصبي، ويبدأ في مشاكل في الحركة إلى الشلل التام، ومشاكل في البلع والتنفس، مع ضمور شديد في العضلات، فكيف أتعامل مع أمي، ومع هذا المرض؟ وكيف أصبر؟ وكيف أصبرها؟ مع العلم إنها لا تعلم بأن المرض عندها، ولا تعلم التبعيات الخاصة به، هي تصبر، وتأمل في الشفاء، وهو مرض ليس له علاج، وأنا أحاول أن أصبر، ولكن أجد في نفسي شيء من القنوط من رحمة الله تعالى، وأقول لماذا كل هذا، والدتي متعافية سرطان، ومن قبلها مجموعة من الأمراض؟
أولا:
اطلعنا من خلال المواقع الطبية على طبيعة هذا المرض وأعراضه ومؤداه حسب النظرة الطبية، ونقول لك:
بداية نسأل العظيم رب العرش العظيم أن يشفي والدتك وينزل عليها عافيته، إن ربي على كل شيء قدير.
ثم أخي الكريم…كن على يقين أن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وأن أقدار الله كلها عاقبتها خير للمسلم.
فما من مسلم يصاب بهم أو غم أو مرض، حتى الشوكة يشاكها؛ إلا كفّر الله بها سيئاته، ورفع بها درجاته، حتى يخرج من الدنيا ليس عليه من الذنوب شيء.
فعن عائشة رضي الله عنها: قالت: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: (ما مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كفَّر اللَّهُ بها عنه، حتى الشوكة يُشاكها) رواه البخاري (5317).
وفي رواية مسلم (ما من شيء يصيب المؤمن، حتى الشوكة تصيبه، إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطت عنه خطيئة) مسلم (2572).
وقد يبدو لك من ظاهر الأمر أنه شر، وهو خير في عاقبته ومآله، والله عز وجل كل أقداره لحكمة قد تظهر لنا وقد تخفى.
فعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) رواه الترمذي (2399)، وحسنه الألباني.
ثانياً:
تذكر دائماّ أن حياة الإنسان في الدنيا لها زمن محدود ولا محالة يغادر، والحياة الباقية الخالدة هي الدار الآخرة، فمن سلِم فيها ونجا فذاك النعيم وتلك الحياة (وأن الدار الآخرة لهي الحيوان) (والآخرة خير وأبقى).
فلا معنى للجزع والتذمر وإساءة الظن بربك، إلا أن تضيع أجرك، وتخسر حظك؛ ثم لا يكون شيء إلا ما قضاه الله وقدره. فالعاقل من يصبر صبر الكرام، ويحتسب احتساب المؤمن الراجي لما عند ربه، قبل أن يسلو سلو البهائم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: (عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ) رواه ابن ماجه (4031)، وحسنه الألباني.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
“الناس حال المصيبة على مراتب أربع :
الأولى: السخط ، وهو إما أن يكون بالقلب ، كأن يسخط على ربه ويغضب على قدر الله عليه ، وقد يؤدى إلى الكفر ، قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) الحج/ 11.
وقد يكون باللسان ، كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك .وقد يكون بالجوارح ، كلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ونتف الشعور ، و أشبه ذلك .
الثانية : الصبر، فيرى الإنسان أن هذا الشيء ثقيل عليه ويكرهه، لكنه يتحمله ويتصبر ، وليس وقوعه وعدمه سواء عنده ، بل يكره هذا ولكن إيمانه يحميه من السخط .
الثالثة : الرضا ، وهو أعلى من ذلك ، وهو أن يكون الأمران عنده سواء ، بالنسبة لقضاء الله وقدرة ، وإن كان قد يحزن من المصيبة ، لأنه رجل يسبح في القضاء والقدر ، أينما ينزل به القضاء والقدر ، فهو نازل به على سهل أو جبل ، إن أصيب بنعمه أو أصيب بضدها ، فالكل عنده سواء.
الرابعة : الشكر ، وهو أعلى المراتب ، وذلك أن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة ، وذلك يكون في عباد الله الشاكرين ، حين يرى أن هناك مصائب أعظم منها ، وأن مصائب الدنيا أهون من مصائب الدين ، وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وأن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته ، وربما لزيادة حسناته شكر الله على ذلك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا شيء إلا كفر له بها ، حتى الشوكة يشاكها) [رواه البخاري ومسلم]، كما أنه قد يزداد إيمان المرء بذلك” انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (10/ 694).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (436410)، ورقم: (224161).
ثالثاً:
أما كيف تتصرف مع والدتك في هذا المرض، وهل تخبرها بطبيعته، وأنه عند الأطباء من الأمراض الميؤوس منها.
فذلك أولاً يوجب إليك المزيد من الإحسان إليها والتلطف معها، وتذكر عندها عظيم أجر الصبر والصابرين، وما أعده الله لهم، وأن البلاء الذي يصيب المؤمن كله له خير كما جاء في الحديث المشار إليه سابقاً.
ثم إن استطعت أن ترسل رسائل بلطف وحكمة بأن أقدار الله نافذة وأن الإنسان يكتب ماله وما عليه، فربما أرادت أن توصي أن وتكر حقوقا عليها.
وهذا متزامن مع رفع معنوياته باليقين بأن قدرة الله فوق قرار الأطباء، وكم قرر الأطباء من حالات ميؤوس منها فشفاهم الله وعادوا خيرا مما كانوا.
ونوصيك بالرضا والصبر والحذر من التسخط، ونسأل الله لها شفاء لا يغادر سقما.
والله أعلم.