هل يمكننا الحصول على أجر صلاة الإشراق في المصلى بعد أداء صلاة الفجر في جماعة إذا كان المسجد بعيدًا؟
أولاً:
المكث في المصلى بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس: سنة ثابتة عن رسول الله على الله عليه وسلم.
فعن جابر رضي الله عنه: “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كَانَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا” رواه مسلم (670).
وعن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: “أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّم” رواه مسلم (670).
والمراد بالمصلى: المحل الذي صلى فيه الشخص.
قال الكرماني رحمه الله: “والمصلى” اسم مكان الصلاة” انتهى من “شرح صحيح البخاري للكرماني” (3/ 169).
وتحقيق هذه السنة، وحصول أجر المكث في المصلى تكون لمن صلى في أي مكان ولا يلزم أن يكون في المسجد حيث لم يرد تحديد مكان لحصول سنة المكث في المصلى بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وهي سنة عامة للرجال والنساء. فحيث صلى يجلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس.
وقد ثبت عن ابن مسعود -كما في “صحيح مسلم” (822)- أنه كان يذكر الله بعد الفجر، في مصلاه في بيته، حتى تطلع الشمس.
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله:
“في الحديث أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يسبح في بيته حتى تطلع الشمس” انتهى من “توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم” (2/ 552).
وهذا بخلاف فضيلة حصول أجر حجة وعمرة لمن صلى ركعتين بعد مكثه حتى الإشراق ، فسيأتي الكلام عليها.
ثانياً:
جاء في الحديث الآخر: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ). رواه الترمذي (586) وقال: حسن غريب، وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة” (3403).
وهذا الحديث: اختلف أهل العلم في ثبوته وصحته، فقد ضعفه كثير من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، وحسنه آخرون.
قال الشيخ عبد الله السعد حفظه الله:
” حديث “من صلى الصبح ثم جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمره تامة تامة”: هذا الحديث قواه جمع من أهل العلم، وضعفه جمع آخر. والأقرب أنه لا يصح. وأبو عيسى الترمذي ما صححه، وابن حبان ضعف بعض طرقه.
وهذا الحديث له طرق كثيرة وكلها لا تصح. والأقرب أنه لا يتقوى.
ومما يدل أيضاً على ضعفه، غير ضعف أسانيده، غير ما تقدم: هو ما جاء في صحيح مسلم من حديث سماك عن جابر بن سمرة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) “كان يجلس عندما يصلي الصبح حتى تطلع الشمس حسناً. وعند أبي داود: حتى تطلع الشمس حسناء” وهذا الحديث قد رواه عن سماك شعبة بن الحجاج، ورواه أيضاً أبو الأحوص. فهذا الحديث حديث صحيح، وهذا من قديم حديث سماك وقد صححه كما تقدم الإمام مسلم .
الشاهد من هذا الحديث: أنه ما ذكر أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يصلي بعد جلوسه ركعتين. وما أعرف عن الصحابة أنهم كانوا يصلون ركعتين” انتهى
وقد سبق في الموقع بيان ذلك مفصلاً فيرجع إليه: (136363).
ثالثا:
من عمل بهذا الحديث، تقليدا لمن صححه من العلماء، أو من باب الأخذ بالحديث الضعيف في باب فضائل الأعمال: فالأمر فيه واسع، إن شاء الله.
وأما حصول فضيلة أجر حجة وعمرة لمن صلى ركعتين بعد مكثه حتى الإشراق، فهي معلقة بمن صلى الفجر في جماعة.
والجماعة إذا أُطلقت في النصوص إنما يراد بها جماعة المسجد. وهذا هو الأصل عند إطلاقها لما ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:
“مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ. فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى. وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ. وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً. وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً. وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً. وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ، مَعْلُومُ النِّفَاقِ. وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصف” رواه مسلم (654).
ويرجى لمن صلى الفجر في جماعة في غير المسجد، أو صلى منفردًا، لعذر: أن تحصل له هذه الفضيلة. وذلك من فضل الله الواسع: أن يعطي صاحب العذر، ما كان قد اعتاده من الطاعة قبل ذلك، فلم يحبسه عنها إلا عذره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا) رواه البخاري (2834).
قال ابن الملقن بعد ذكره للحديث:
“هذه الأحاديث دالة على أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة، كما تنفي الحرج عن التارك، يحصل له فضل الجماعة إذا صلاها منفردا، وكان قصده الجماعة؛ لولا العذر. وبه صرح الروياني في “تلخيصه”، قال: للأخبار الواردة في الباب.
ويشهد له أيضا: حديث أبي هريرة: “من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله -عز وجل- مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئا” رواه أبو داود والنسائي والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم” انتهى من “التوضيح لشرح الجامع الصحيح” (18/ 139).
وخلاصة القول:
أنّ من صلى الفجر، وجلس يذكر الله حتى طلوع الشمس في أي مكان، في جماعة أو منفردا: حصل له الفضل في هذا المكث، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فيها، يستوي فيه الرجال والنساء.
وأما فضيلة حجة وعمرة تامة: فإن حصول فضلها خاص بمن صلى الفجر في جماعة في المسجد، أو كان من شأنه الصلاة في جماعة والانتظار في مصلاه بعدها، ثم حبسه عن ذلك العذرُ.
والله أعلم.