قد علمت إنه يُسن استقبال الأرجل عند السجود، ولكن هل في جميع حالات الصلاة أيضا؟
يستند أحد الأخوة من تبويب البخاري رحمه الله بـ”بَابُ فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ” على إنه يُسن في كل حالات الصلاة أن تستقبل أصابع الأرجل القبلة، ولكن لم أعثر على دليل من الكتاب أو السنة يدل على إنها سنة، ولكن فقط عند السجود، وهو حديث: (فإذا سجدَ وضعَ يديهِ غيرَ مفتَرِشٍ ولا قابضِهِما واستقبلَ بأطرافِ أصابعِهِ القِبلةَ).
استدلال صاحبك بتبويب البخاري (فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ) على أنه يسن استقبال القبلة في كل أوضاع الصلاة ليس ظاهراً؛ لأنّ ظاهر مراد البخاري رحمه الله بذلك حال السجود؛ وذلك أنّ البخاري قال بعد التبويب مباشرة: “قاله أَبُو حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم”
والذي يقصده البخاري بما أشار إليه هو حديث أبي حميد الساعدي الذي رواه البخاري نفسه بعد مواطن من هذا التبويب واكتفى هنا بالإشارة إليه، وفيه صفة استقبال النبي صلى الله عليه وسلم القبلة بأطراف أصابعه حال السجود، ولم يتطرق أبو حميد لغير السجود في استقبال القبلة بالأرجل.
ونصه: “قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى، حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ الحديث….” رواه البخاري (794).
ومن هنا نعلم أنّ مراد البخاري بهذا التبويب الاستقبال بالأصابع حال السجود بدليل ما بينه بعد التبويب من الإشارة على حديث أبي حميد.
ويحتمل أنّ البخاري أشار إلى العموم بطريق الأولى، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتقصد أن يستقبل القبلة بأطراف أصابعه حال السجود، مع الحاجة لهصرها وليها، فمن باب أولى في الحال التي لا يكون فيه هذا الاحتياج.
قال النووي رحمه الله:
“وإنما يحصل توجيهها: بالتحامل عليها، والاعتماد على بطونها.
وقال إمام الحرمين: ظاهر النص أنه يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض في السجود، ونقل المزني: أنه يستقبل بها القبلة، وهذا يتضمن أن يتحامل عليها ويوجه رؤوسها إلى القبلة” انتهى “المجموع شرح المهذب” (3/ 431).
وعبارة ابن حجر في “الفتح” موحية بهذا الاحتمال، حيث قال معلقاً على تبويب البخاري رحمه الله:
“وأراد بذكره هنا بيان مشروعية الاستقبال بجميع ما يمكن من الأعضاء” انتهى من” فتح الباري لابن حجر” (1/496).
وقال العيني رحمه الله: معلقاً على تبويب البخاري:
«إذا عرف فرض الاستقبال، وعرف فضله: عرفت المطابقة.
أما فرضه: فهو توجه المصلي بكليته إلى القبلة.
وأما فضله: فهو استقباله بجميع ما يمكن من أعضائه” انتهى من “عمدة القاري شرح صحيح البخاري” (4/124).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: “أنه كان يحب أن يعتدل في الصلاة، حتى أصابعه إلى القبلة” رواه عبد الرزاق في مصنفه (3038).
قال الشيخ ابن عثيمين معلقاً على تبويب البخاري “اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ “:
“السنة أن يستقبل القبل بأطراف أصابعه حال القيام” انتهى
وظاهر كلامهم أنّه يستحب التوجه بجميع الأعضاء باتجاه القبلة، في الصلاة كلها؛ بما في ذلك أصابع الرجلين إلا ما استثناه الدليل، مثل حال الجلوس في التشهد وبين السجدتين.
وهذا الظاهر من نصوص استقبال القبلة؛ إذ من لوازم الاستقبال أن تتجه أصابع الرجلين إلى القبلة حال قيامه مستوياً وحال ركوعه.
وقد أوجبه المالكية حال القيام، وأبطلوا الصلاة بخلافه.
قال الحطاب رحمه الله:
“إذا استقبل برجليه جهة غير جهة القبلة، كان تاركا للتوجه، منصرفا عن جهة البيت، ولو حول وجهه إلى جهة القبلة، لم ينفعه ذلك، كما لو جعل ناحية القبلة خلف عقبيه، ثم التفت إليها بوجهه وراء ظهره ” انتهى من “مواهب الجليل” (1/549).
والله أعلم.