والدتي مرضت، وتعبت كثيرًا قبل وفاتها بشهر ونصف، وكان ألمها يؤلمني، وكنت متعلقة بها جداً، وأتمنى أن تشفى، ولكن عندما أخبرنا الأطباء أن حالتها تسوء، وهي تتألم كنت أدعو، وأقول: (اللهم أحيها ما علمت الحياة خيراً لها، وتوفها إذا كانت الوفاة خيراً لها)، فهل دعائي هذا جائز أم إنه عقوق؟
أولاً: رحمها الله رحمة واسعة، وأن يكتبك الله من البارين بها في حياتها، وبعد مماتها.
ثانياً: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ , فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي". أخرجه البخاري (6351)، ومسلم (2680).
هذا الدعاء ليس مطلوباً شرعاً لمن اشتدّ عليه الضرّ أو المرض، وإنما هو من الأمور المباحة، والأكمل ألا يقول هذا الدعاء لنفسه ولا لغيره لقوله (فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ). والأفضل أن يسأل الله العافية. كما في "صحيح مسلم" (2712) إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ: "…اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ".
قال الحافظ في "فتح الباري" لابن حجر (10/ 128): "فإن كان إلخ فيه ما يصرف الأمر عن حقيقته من الوجوب أو الاستحباب ويدل على أنه لمطلق الإذن؛ لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته، وقريب من هذا السياق ما أخرجه أصحاب السنن من حديث المقدام بن معد يكرب حسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث للطعام الحديث، أي: إذا كان لا بد من الزيادة على اللقيمات فليقتصر على الثلث فهو إذن بالاقتصار على الثلث لا أمر يقتضي الوجوب ولا الاستحباب" انتهى.
والحاصل:
أن هذا دعاء السائل ليس من العقوق في شيء؛ إذ لا فرق بين دعاء المريض لنفسه أو لغيره، خاصة إذا دعا به على وجه الشفقة والرحمة للمريض، وفوض الأمر في الخيرة إلى رحمة أرحم الراحمين.
وسئل د. خالد المصلح في هذا فقال: "لا عقوق في هذا" انتهى.
والله أعلم.