من ترك واجبا من واجبات الحج، ألا وهو خروجه من منى متعجلا بعد صلاة الفجر مباشرة رمى الجمرات وعاد إلى مكان سكناه في مكة، ولم ينتظر بعد الزوال، ولا يمكنه الهدي للكفير عن ذنبه، فأفتوه بصيام عشرة أيام، فلم يصم 3 أيام في الحج، بل بدأ بصيامها متفرقة في بلده جهلا، فماذا عليه؟
أولاً:
ذهب جمهور أهل العلم إلى وجوب الرمي بعد الزوال في أيام التشريق، وعلى هذا فمن رمى قبل الزوال أيام التشريق فإنّ رميه لا يصح، وقد سبق بيان ذلك بفتوى سابقة في الموقع فيرجع إليها: (96095).
وذهب بعض من أهل العلم إلى جواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر لأجل التعجل، وعلى هذا القول يصح رميك، ولا شيء عليك؛ خاصة مع ظنك جواز ذلك.
فعلى هذا القول: ليس عليك شيء.
قال ابن قدامة رحمه الله:
«وروى عن الحسن، وعطاء، إلا أن إسحاق وأصحاب الرأي، رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال، ولا ينفر إلا بعد الزوال. وعن أحمد مثله. ورخص عكرمة في ذلك أيضا.
وقال طاووس: يرمى قبل الزوال، وينفر قبله» انتهى من "المغني" (5/328).
وقال الكاساني رحمه الله:
"وروي عن أبي حنيفة أن الأفضل أن يرمي في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال فإن رمى قبله: جاز.
وجه هذه الرواية: أن قبل الزوال وقت الرمي في يوم النحر، فكذا في اليوم الثاني والثالث" انتهى من "بدائع الصنائع" (2/137).
ثانياً:
بناء على الخلاف المتقدم فإنّ رميك قبل الزوال يوم النفر الأول لا يصح على قول جمهور العلماء، ويجب عليك دم بترك هذا الواجب، يذبح ويوزع على الفقراء في مكة، فإن لم تجدي فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجب عليك صيام عشرة أيام بدلا من الدم.
والقول الراجح أن من لم يجد فلا صيام عليه ويسقط الدم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
قال رحمه الله: "ولهذا نحن نفتي بأنه يجب على من ترك واجباً أن يذبح فدية يوزعها على الفقراء في مكة...
لكن إذا لم يجد دماً، فالمذهب: الواجب عليه أن يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يتمكن من صيامها في الحج صامها في بلده.
لكن هذا القول لا دليل عليه، لا من أقوال الصحابة، ولا من القياس.
وليس هناك دليل على أن من عدم الدم في ترك الواجب، يجب عليه أن يصوم عشرة أيام؛ لأن قياس ذلك على دم المتعة قياس مع الفارق؛ فدم المتعة شكران، وأما الدم لترك الواجب فدم جبران.
لذلك نرى أن القياس غير صحيح، وحينئذٍ نقول لمن ترك واجباً: اذبح فدية في مكة ووزعها على الفقراء بنفسك، أو وَكِّلْ من تثق به من الوكلاء.
فإن كنت غير قادر، فتوبتك تجزئ عن الصيام لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، وهذا هو الذي نراه في هذه المسألة" انتهى من "الشرح الممتع" (7/409).
وعلى القول بأن الصيام بدل من الدم، فيجوز أن تصام كلها في بلدك، ولا حرج.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إذا عجز عن الشاة التي وجبت عليه بسبب ترك الواجب، مثل من تجاوز الميقات وأحرم من غير الميقات، هذا عليه دم، فإذا عجز عن ذلك صام عشرة أيام، مثل هدي التمتع والقران، إن صامها في مكة أجزأته، وإن صام ثلاثة أيام منها في الحج قبل عرفة فحسن، وسبعة إذا وصل إلى أهله، وإن أخرها كلها إلى أن يصل إلى أهله وصامها هناك فلا بأس" انتهى
والخلاصة:
رميك قبل الزوال يوم النفر صحيح عند جمع من أهل العلم، وعلى القول بعدم صحته فإن عليك دما بترك الواجب ويسقط الدم مع العجز.
ويصح صيام عشرة أيام بدلا عن الدم في بلدك.
فما دمت قد صمت عشرة أيام، فليس عليك شيء وقد برئت ذمتك.
والله أعلم.