لدي سؤال طويل نوعا ما، وأنا أعتذر على ذلك، وهو أننا في مهنة الخياطة، اختلط علينا هل نحن في عقد استصناع أم بيع إجارة، وسبب الاختلاط هو احظار جزء من المادة الخام من الزبونـ والتي هي: الثوب الذي تُكمل له الخياطة جُزءا آخر من مواد التصنيع بشرائها، كملحقات لثَّوب من أزرار وحواف لتزيين، التي تكون في كثير من الأحيان مرتفعة السعر، ما يقارب ثمن الثوب الذي أحضره الزبون.
فهل هذا عقد إجارة؟ وكيف يتم تحديد ثمن الخياطة إذا كانت مادة التصنيع مشتركة بين الزبونة والخياطة؟
ثم هي خلال خياطتها تذهب إلى طرازة لطرز الثوب قبل خياطته، فهل هذا الأخيرة استصناع موازي؟ وأحيانا يأتيها الزبون بثوب من عنده لطرزِه فقط، من غير خياطته فتُؤدي له ذلك بغير صنعها هي، بل من عند صانع آخر، ثم تسلِّمه بزيادة فارق ربحي، فما حكم هذه المعاملة ؟
وهل تتعامل بأحكام الإجارة أم بأحكام التصنيع، وما هو الضابط في الجمع بين العقود المذكورة، خاصة في اشتراط وقت تحديد الثمن أثناء العقد أو بعد الانتهاء من العمل؟
أولا:
لا حرج في إعطاء قماش لمن يخيطه ثوبا ونحوه، ويضع عليه تطريزا، ويكون هذا إجارة واستصناعا، إجارة على الخياطة، واستصناعا للتطريز، فإن لم يصنع الخياط التطريز بنفسه، فأعطاه لغيره، فهو استصناع مواز.
فإن كان القماش والتطريز من الخياط، فهو استصناع فقط.
ويجوز في الإجارة: تعجيل الأجرة وتأخيرها، ودفع عربون أو مقدم منها، لكن لا تُستحق الأجرة إلا بتسليم العمل.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المقنع”، ص210: ” وتجب الأجرة بالعقد نفسه، إِلا أن يتفقا على تأخيرها، ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه”.
وقال المرداوي في “الإنصاف” (6/ 82): ” قوله (ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه): إذا استؤجر على عمل، مُلكت الأجرة بالعقد أيضا.
لكن لا يستحق تسليمها إلا بفراغ العمل، وتسليمه لمالكه. على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب” انتهى.
ويجوز في الاستصناع تعجيل الثمن وتقسيطه، ويلزم فيه تحديد المواصفات، وموعد التسليم، وينظر: جواب السؤال رقم: (2146).
ثانيا:
إذا كانت مادة التصنيع مشتركة بين الزبون والخياط، فتحديد الأجرة بحسب ما يتراضيان عليه، سواء جعل للحياكة أجرة، وللتطريز ثمنا، أو اتفقا على مبلغ يشمل الاثنين.
ثالثا:
لا حرج في إعطاء الخياط الثوب لمن يقوم بتطريزه، وهو الاستصناع الموازي، ولا حرج في ربحه الفرق بين الثمنين.
وينظر في الاستصناع الموازي جواب السؤال رقم: (112115).
رابعا:
لا حرج في الجمع بين الإجارة والاستصناع، ولو على سبيل اشتراط عقد في عقد.
جاء في “المعايير الشرعية” ص 660، معيار اجتماع العقود:
” يجوز اجتماع أكثر من عقد في منظومة واحدة، بدون اشتراط عقد في عقد، إذا كان كل واحد منها جائزأ بمفرده، ما لم يكن هناك دليل شرعي مانع؛ فعندئذ يمتنع بخصوصه استثناءً.
ضوابط جواز الجمع بين العقود:
1 – أن لا يكون ذلك محل نهي في نص شرعي، مثل النهي عن البيع والسلف.
2 – أن لا يكون حيلة ربوية، مثل الاتفاق على بيع العينة، أو التحايل على ربا الفضل.
3 – أن لا يكون ذريعة إلى الربا، مثل الجمع بين القرض والمعاوضة، أو إقراض الغير مالا على أن يسكنه المقترض داره، أو يهدي له هدية، أو على أن يقضيه بزيادة في القدر أو الصفة” انتهى.
وجاء فيها، ص 670:
” مستند جواز اجتماع أكثر من عقد في معاملة واحدة، إذا كان كل واحد منها جائزا بمفرده، مالم يكن هناك دليل شرعي حاظر= أن الأصل، بمقتضى دلائل نصوص الشريعة، وكلياتها العامة: حرية التعاقد، ووجوب الوفاء بكل ما يتراضى عليه المتعاقدان ويلتزمان به، ما لم يكن في ذلك تحليل حرام، أو تحريم حلال. قال ابن القيم: “والأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما أبطله الشارع أو نهى عنه. وهذا القول هو الصحيح”.
وقد نص جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة على أن الأصل عندهم قياس المجموع على آحاده؛ فحيث انطوت المعاملة على عدة عقود، كل واحد منها جائز بمفرده، فإنه يحكم على المجموع بالجواز.
وبناء على هذا الأصل نص الحنابلة والشافعية في الأصح على صحة الجمع بين عقدين – حتى ولو كانا مختلفي الوضع والحكم – بعوض واحد، كما ذهب ابن تيمية إلى جواز اجتماع عقدين بعوضين متميزين” انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” فالقول الصحيح: أنه إذا شرط عقدا في البيع، فإن الشرط صحيح، والبيع صحيح؛ إلا في مسألتين …
الأولى: إذا شرط قرضا ينتفع به، فهنا لا يحل لأنه قرض جر نفعا فيكون ربا.
الثانية: أن يكون حيلة على الربا ” انتهى مختصرا من “الشرح الممتع” (8/ 239).
وينظر تفصيل الخلاف في المسألة في: “العقود المالية المركبة” للدكتور عبد الله بن محمد العمراني، ص 98 – 116
والله أعلم.
