0 / 0
26/رمضان/1446 الموافق 26/مارس/2025

إذا سامح بلسانه حياءً دون قلبه فهل يبرأ خصمه؟

السؤال: 555416

إذا آذاني شخص بشكل كبير لدرجة أنني قرَّرت ألا أسامحه، لكنه طلبَ مني الصَّفح مرارًا، وضَغط عليّ بطريقة ما لأقول أنني سامحته، رغم أنني لم أسامحه في قلبي، فهل يُعتبر ذلك كما لو أنني سامحته أم لا؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

الواجب على من ظلم أخاه وآذاه: أن يتحلل منه. فإن كانت المظلمة في حق أو مال، وجب أن يرده إليه، إلا أن يعفو صاحبه، وإن كانت المظلمة في أمر معنوي، فعليه أن يستسمحه.

والأصل في ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ). رواه البخاري (2269).

وينبغي لمن اعتُذر له أن يقبل الاعتذار؛ لقول الله تعالى ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) البقرة/ 237 ، وقال تعالى: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ) النور/ 22 ، وقال تعالى: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) الشورى/ 40.

ولما تكلم مسطح بن أثاثة في عائشة رضي الله عنها، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه، ثم عفا عنه لما نزلت الآية، كما روى البخاري (2661) عن عائشة قالت: "فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22]. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ".

 ولا يجب قبول الاعتذار، ولا يصح ما ورد في ذلك من أحاديث.

وينظر: جواب السؤال رقم: (175439).

ثانيا:

لا عبرة بالمسامحة إن أخذت بسيف الحياء، سواء كانت المسامحة عن حق مادي أو معنوي.

قال في "تحفة المحتاج" (6/ 317): " وحيث دلت قرينة أن ما يُعطاه، إنما هو للحياء: حرم الأخذ ولم يملكه. قال الغزالي: إجماعا" انتهى.

وقال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (3/ 373): "وقد صرح الأئمة في المُهدي حياء، ولولا الحياء لما أهدى، أو خوف المذمة، ولولا خوفها لما أهدى: بأنه يحرم أكل هديته؛ لأنه لم يسمح بها في الحقيقة.

وكل ما قامت القرينة الظاهرة، على أن مالكه لا يسمح به: لا يحل تناوله" انتهى.

وقال ابن مفلح في "الفروع" (4/ 312): "قال ابن الجوزي في المنهاج: وإن أخذ ممن يعلم أنه إنما أعطاه حياء، لم يجز الأخذ، ويجب رده إلى صاحبه" انتهى.

فإذا لم تعف عن صاحبك عفوا صادقا من قلبك، بقيت عليه التبعة.

ولو علم هو ذلك ولو بالقرينة، وكان الحق ماديا: لم يحل له الانتفاع به، ولزمه رده أو رد بدله.

فإن كان الحق معنويا: فعليه أن يعاود الاعتذار المرة بعد المرة، وأن يسترضي صاحب الحق، وأن يحسن المعاملة حتى ينال العفو.

والذي نوصيك به: أن تعفو، وأن تحلل أخاك، فما ينفعك أن يعذب الله أخاك بسببك؟!

نقل الذهبي عن الإمام أحمد قوله: " كل من ذكرني: ففي حل؛ إلا مبتدعا. وقد جعلت أبا إسحاق -يعني: المعتصم- في حل، ورأيت الله يقول: وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم [النور: 22]، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر بالعفو في قصة مسطح.

قال أبو عبد الله: وما ينفعك أن يعذب الله أخاك المسلم في سببك؟!" انتهى من "سير أعلام النبلاء" (11/261).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
إذا سامح بلسانه حياءً دون قلبه فهل يبرأ خصمه؟ - الإسلام سؤال وجواب