إذا بكرت لصلاة الجمعة في مسجد الحي، وقبل الصلاة بساعة علمت عن جنازة تقام في مسجد آخر، هل أذهب لصلاة الجنازة لكسب أجرها في المسجد الآخر، ويبقى حكم التبكير للجمعة في حقي ؟
ثبت فضل التبكير إلى الجمعة في أحاديث مشهورة منها: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) رواه البخاري(881)، ومسلم(850).
فإن غلب على ظنك أنك إن بقيت في مسجدك أدركت الجنازة في المسجد الآخر، كأن يكون المسجد الآخر يطيل الخطبة، فإنك تبقى في مسجدك.
وإن كان بقاؤك في المسجد تفوت به صلاة الجنازة، وانتقلت إلى مسجد الجنازة: فيرجى أن يكون ذلك واسعا، وألا يضيع عليك أجر التبكير؛ لأن خروجك من المسجد إنما هو لقربة وطاعة، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) الكهف/30.
ولعلك إن بقيت في مسجدك، ثم صليت الجنازة في المقبرة قبل دفن الميت، أو صليت على قبره بعد دفنه، أن يكون أحسن وأعظم أجراً؛ لما فيه من الجمع بين الفضيلتين على وجه لا يفوتك به شيء من الجلوس في المسجد أثناء الانتقال، وانتظار الصلاة.
وقد ذكر الفقهاء أن المعتكف في المسجد: لا يخرج من معتكفه، لا لعيادة مريض، ولا لشهود جنازة؛ إنما يخرج لما لا بد له منه. ومن بكر إلى المسجد، ينتظر فيه صلاة الجمعة، ففيه شبه من المعتكف في مسجده.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (367065)، ورقم: (37951)، ورقم: (314071).
قال في "الشرح الكبير على المقنع" (2/ 360): "واتباع الجنائز على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يصلي عليها ثم ينصرف. قال زيد بن ثابت: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك، وقال أبو داود: رأيت أحمد ما لا أحصي، صلى على جنائز، ولم يتبعها الى القبر، ولم يستأذن.
الثاني: أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن فله قيراطان. قيل وما القيراطان؟ قال مثل الجبلين العظيمين " متفق عليه.
الثالث: أن يقف بعد الدفن، فيستغفر له ويسأل الله له التثبيت، ويدعو له بالرحمة" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (2/ 122): "(ومن لم يصل) على الجنازة، لعذر أو غيره: (استُحب له إذا وضعت) الجنازة (أن يصلي عليها، قبل الدفن أو بعده، ولو جماعةً على القبر)، لحديث أبي هريرة: أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد - أو شابا - ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم- أو فقده- فسأل عنها، أو عنه، فقالوا: ماتت أو مات، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره فقال: دلوني على قبرها أو على قبره فدلوه فصلى عليها أو عليه وعن ابن عباس قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصلى عليه، وصفوا خلفه وكبر أربعا متفق عليهما. قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر؟ يروى عن النبي من ستة وجوه، كلها حسان..." انتهى.
والله أعلم