بعت سلعة قيمتها تقريبا ١١٠٠ ريال، جاءني شخص محتاج إلى هذه السلعة، وقال ما عندي إلا ٦٠٠ ريال، فكنت أرفض، ولا أرضى بذلك، لكن كرر علي المسألة، فقلت له: سأبيع لك هذه السلعة، واعتبر المال الزائد صدقة، فجاء بعد مرور أسبوع تقريبا، وقال: السلعة بها عيب، ولا تشتغل، قال: كانت هكذا منذ اشتراها، لكن مع ذلك أستعملها، يقول: لو ذهبت إلى الأماكن لكي أصلحها، يريدون على الأقل ٢٠٠ ريال.
فهل لي في هذه الحالة أن أرفض من رد السلعة، ما كانت فيها عيب قط من هذا النوع، وما علمت بهذا، وكذلك اشتراها بثمن بخس.
أولا:
إذا ثبت أن السلعة فيها عيب لم يعلمه المشتري عند العقد، فللمشتري الخيار، ولا يسقط خياره لكونه اشترى السلعة بثمن بخس.
قال في "كشاف القناع" (3/218): " من اشترى مَعيبا لم يَعلم حال العقد، (عيبه ثم علم بعيبه) فله الخيار، سواء علم (البائع) بعيبه (فكتمه) عن المشتري، (أو لم يعلم) البائع بعَيْبه ...... :
(خُيِّر) المشتري (بين رده)، استدراكا لما فاته، وإزالةً لما يلحقه من الضرر في بقائه في ملكه ، ناقصا عن حقه ....
(و) إذا رده (أخذ الثمن كاملا)؛ لأن المشتري بالفسخ استحق استرجاع جميع الثمن ...
(وبين إمساك) المبيع (مع أرش) العيب ، (ولو لم يتعذر الرد .
رضي البائع) بدفع الأرش، (أو سخط) به؛ لأن المتبايعين تراضيا على أن العوض في مقابلة المعوض ، فكل جزء من العِوَض ، يقابله جزء من المُعَوَّض ؛ ومع العيب : فات جزء منه ، فيرجع ببدله ، وهو الأرش" انتهى باختصار.
ثانيا:
إذا حصل خلاف في قت حدوث العيب، فقال المشتري: إنه اشتراه معيبا، وقال البائع: إن العيب حدث بعد البيع، فالجمهور على أن القول قول البائع بيمينه، فيحلف أنه باع السلعة ولم يكن بها عيب.
وذهب الحنابلة إلى أن القول قول المشتري بيمينه.
والراجح مذهب الجمهور.
قال الحجاوي الحنبلي في زاد المستقنع: " وَإِن اخْتَلَفَا عِنْدَ مَنْ حَدَثَ العَيْبُ، فَقَوْلُ مُشْتَرٍ مَعَ يمينِهِ، وَإِن لَمْ يَحْتَمِلْ إِلاّ قَوْلَ أحَدِهِمَا، قُبِلَ بِلاَ يَمينٍ" انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " هذه المسألة، أفادنا المؤلف ـ رحمه الله ـ أنها لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يمتنع صدق أحدهما، فهنا القول قول من لا يحتمل قوله الكذب.
الحال الثانية: أن يكون هناك احتمال، فهنا يكون القول قول المشتري.
مثال ما لا يحتمل قولَ البائع: الإصبع الزائدة، فإذا اشترى عبداً فوجد فيه إصبعاً زائدة، فأراد ردّه، فقال البائع: حدث هذا العيب عندك، وقال المشتري: أبداً، فالقول قول المشتري؛ إذ لا يمكن أن يحدث له إصبع زائدة، ولو أمكن أن يحدث لكان كل إنسان يتوقع أن يحدث له ذلك، وإذا قبلنا قول المشتري، فلا يشترط أن يحلف؛ لأنه لا حاجة للحلف.
مثال ما لا يحتمل قولَ المشتري: اشترى بهيمة ثم ردها، والعيبُ الذي فيها جُرْحٌ، ادعاه المشتري فنظرنا إلى الجرح وإذا هو يثعب دماً، جرح طري، والبيع له مدة أسبوع، فالقول قول البائع بلا يمين؛ لأنه لا يحتمل أن يكون هذا الجرح قبل العقد.
أما إذا كان يحتمل هذا وهذا، كعرج وفساد في طعام، وما أشبه ذلك، فالمؤلف يقول: إن القول قول المشتري.
وعلة ذلك: أن العيب فوات جزء في البيع، وهو الكمال، فالمعيب قد فاته الكمال، والأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت، والذي يدعي عدم قبضه المشتري، فيكون القول قول المشتري وهذا وجهه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، فالبائع الآن يقول: إني بعت عليك هذا الشيء سليماً، وهو يقول بعتَه علي معيباً.
والمسألة محتملة فالقول: قول المشتري؛ لأن الأصل عدم قبض هذا الجزء الفائت بالعيب، فيكون المشتري مدَّعًى عليه، والبائع مدعياً، وهذه الرواية من مفردات مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
والقول الثاني: أن القول قول البائع، وهو مذهب الأئمة الثلاثة ـ رحمهم الله ـ وهو القول الراجح؛ للأثر والنظر، أما الأثر فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادَّان، وهذا نص صريح؛ ولأن المشتري مدعٍ أن العيب سابق، حتى على قاعدة الفقهاء، المدعي: من إذا سكت تُرك، والمشتري هنا لو سكت لم يُطالب، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: البينة على المدعي، والمدعي هنا بلا شك هو المشتري، فنقول له: إيت ببينة أن العيب حدث عند البائع.
وأما النظر؛ فلأن الأصل عدمُ وجودِ العيب والسلامةُ، ودعوى أن العيب سابق على العقد خلاف الأصل، وإذا كان لا يقبل قول المشتري في أصل العيب، فكذلك لا يقبل قوله في زمن العيب" انتهى من "الشرح الممتع" (8/ 324).
وعليه: فتحلف أنك بعت السلعة ولم يكن بها هذا العيب، فإن حلفت لم يكن له رد السلعة، وإن لم تحلف، فالخيار له بين رد السلعة، وبين أخذ أرش العيب.
والأرش هو الفرق بين قيمة السلعة معيبة، وقيمتها صحيحة، مأخوذا من الثمن.
فلو كان 600 وقيمة السلعة سليمة 1000 وقيمتها معيبة 800
فالفرق بين القيمتين هو 200 أي الخمس، فيرجع بخمس الثمن، أي الأرش 600÷ 5 = 120
وهذا على مذهب الحنابلة؛ أن للمشتري أن يمسك السلعة المعيبة، ويأخذ أرش العيب، جبرا على البائع.
وجمهور أهل العلم: أن البائع لا يجبر على دفع الأرش؛ ويقولون : ليس للمشتري إلا أن يرد المبيع ويستلم الثمن ، أو يمسكه بحاله ولا شيء له ؛ قالوا : لأن هذا عقد جديد ومعاوضة جديدة ، فلا بد من رضا البائع .
وقول الجمهور أظهر.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (259082).
والله أعلم.