ورد في صحيح البخاري حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على قبرين وقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أو كما قال صلى الله عليه وسلم , ثم قال " بلى , كان أحدهما لا يستتر من بوله وكان الآخر يمشي بالنميمة " وورد في صحيح مسلم نفس الحديث وفي رواية أخرى لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وكان الآخر لا يستنزه عن البول – أو من البول – .
سؤالي هو :
ما الاستتار ؟ وما هو التنزه ؟ والفرق بينهما ؟ وكيف نوفق بين الروايتين ؟.
ما الفرق بين الاستتار والتنزه في حديث المعذَّبَيْن ؟
السؤال: 59934
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الحديث رواه البخاري (216) ومسلم (292) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً . فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا ، أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا .
وفي رواية لمسلم ( لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ ) .
وفي رواية للنسائي (2068) ( لا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ ) وصححها الألباني في "صحيح النسائي".
قال النووي :
" وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يستتر من بوله ) فروى ثلاث روايات : ( يستتر ) بتائين , و ( يستنزه ) بالزاي والهاء , و ( يستبرئ ) بالباء والهمزة ، وكلها صحيحة , ومعناها : لا يتجنبه ويتحرز منه .
"شرح مسلم" (3/201) باختصار .
وقال الحافظ ابن حجر :
قوله : ( لا يستتر ) كذا في أكثر الروايات , وفي رواية ابن عساكر : ( يستبرئ ) ، ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش : ( يستنزه ) .
فعلى رواية الأكثر معنى " الاستتار " أنه لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني : لا يتحفظ منه , فتوافق رواية لا يستنزه ؛ لأنها من التنزه وهو الإبعاد , وقد وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش : ( كان لا يتوقى ) وهي مفسرة للمراد ، وأجراه بعضهم على ظاهره فقال : معناه لا يستر عورته . . .
وأما رواية " الاستبراء " فهي أبلغ في التوقي .
قال ابن دقيق العيد : لو حمل الاستتار على حقيقته للزم أن مجرد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور , وسياق الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية , يشير إلى ما صححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة مرفوعا : ( أكثر عذاب القبر من البول ) أي : بسبب ترك التحرز منه ، قال : ويؤيده أن لفظ " مِنْ " في هذا الحديث لما أضيف إلى البول اقتضى نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول , بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول , فلو حمل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى , فتعين الحمل على المجاز لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد لأن مخرجه واحد ، ويؤيده أن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه : ( أما أحدهما فيعذب في البول ) ، ومثله للطبراني عن أنس .
"فتح الباري" (1/318) .
وقال الصنعاني :
ثم أخبر أن عذاب أحدهما ; لأنه كان لا يستنزه من البول , أو لأنه لا يستتر من بوله مِن الاستتار ، أي : لا يجعل بينه وبين بوله ساتراً يمنعه عن الملامسة له , أو لأنه لا يستبرئ , من الاستبراء , أو لأنه لا يتوقاه , وكلها ألفاظ واردة في الروايات , والكل مفيد لتحريم ملامسة البول وعدم التحرز منه .
"سبل السلام" (1/119، 120) .
والخلاصة :
أن ألفاظ الروايات الصحيحة " لا يستتر " و " لا يستبرئ " و " لا يتنزه " وكلها بمعنى واحد كما سبق من كلام الأئمة والخلاف بينها في أصل الكلمة واشتقاقها اللغوي ، فلفظة " لا يستتر " من الاستتار ومعناها : لا يجعل بينه وبين بوله سترة ، و " لا يستبرئ " من الاستبراء وهو الصيانة والحفظ ، ولفظة " لا يتنزه " من التنزه وهو الإبعاد .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب