تنزيل
0 / 0

أنوع النعي وأحكامه

السؤال: 60008

ما هو النعي الجائز من المحرم ؟ وهل الإشهار بموت إنسان في المسجد حرام ؟.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً : تعريف النعي

النعي يطلق على الإخبار بموت الميت وإذاعة ذلك ، ويطلق أيضاً على
ما قد يصاحب ذلك من تعداد مناقب الميت .

قال الترمذي في جامعه ص(239) : ” والنعي عندهم أن ينادى في الناس
أن فلاناً مات ليشهدوا جنازته ” .

وقال ابن الأثير في النهاية (5/85) : ” نعى الميت إذا أذاع موته
، وأخبر به ، وإذا ندبه ” .

وقال القليوبي في حاشيته (1/345) : ” وهو النداء بموت الشخص ،
وذكر مآثره ومفاخره ” .

ثانياً : أقسام النعي

النعي وهو الإخبار بموت الميت إما أن يكون إعلاماً مجرداً ، وإما
أن يكون إعلاماً بنداء ورفع صوت وذكر لمآثر الميت ونحو ذلك ، ولكل منهما حكم .

أما الإعلام بالموت مجرداً فقد ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية ،
والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وغيرهم إلى جواز الإعلام بالموت من غير نداء ؛
لأجل الصلاة على الميت .

انظر : فتح القدير (2/127) ، حاشية الدسوقي (1/24) ، نهاية المحتاج (3/20) ،
الإقناع (1/331) ، تحفة الأحوذي (4/61) ، السيل الجرار (1/339) .

بل ذهب جماعة من العلماء إلى استحباب ذلك .

انظر : البناية شرح الهداية (3/267) ، الخرشي على مختصر خليل (2/139) ، الأذكار
للنووي ص (226) .

واستدلوا بما رواه البخاري (1333) ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، وَخَرَجَ
بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ
تَكْبِيرَاتٍ . وفي رواية للبخاري (1328) ( نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي
مَاتَ فِيهِ ، فَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ ) .

قال النووي في “شرح مسلم” :

” فِيهِ : اِسْتِحْبَاب الإِعْلام بِالْمَيِّتِ لا عَلَى صُورَة
نَعْي الْجَاهِلِيَّة , بَلْ مُجَرَّد إِعْلَام للصَّلَاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه
وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ , وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ
الْمُرَاد بِهِ هَذَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل
عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر وَغَيْرهَا ” انتهى .

واستدلوا أيضاً بما رواه البخاري (458) ومسلم (956) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ
يَقُمُّ الْمَسْجِدَ ، فَمَاتَ ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْهُ ، فَقَالُوا : مَاتَ . قَالَ : أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي
بِهِ ؟! دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا ، فَأَتَى قَبْرَهَا
فَصَلَّى عَلَيْهَا .

وهذان الحديثان ظاهران في إباحة الإعلام بالموت لأجل الصلاة ،
والدعاء له ، بل هما دالان على الاستحباب ، ولأن ذلك وسيلة لأداء حقه من الصلاة
عليه واتباع جنازته .

ومما يدل على جواز الإعلام بموت الميت لمصلحة غير الصلاة عليه :
ما في صحيح البخاري (4262) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ
لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ ، فَقَالَ : ( أَخَذَ الرَّايَةَ
زَيْدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ
رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ ، حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ
مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) .

ففي هذا الحديث : نعى النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة
رضي الله عنهم ، ولم يكن ذلك النعي لأجل الصلاة عليهم ، إنما لأجل إخبار المسلمين
بخبر إخوانهم ، وما جرى لهم في تلك الوقعة .

وعليه ؛ فيجوز الإعلام بالموت لكل غرض صحيح كالدعاء له ، وتحليله
وما أشبه ذلك .

انظر : “نهاية المحتاج” (3/20) .

وقال ابن عبد البر الاستذكار(3/26) : ” وكان أبو هريرة رضي الله
عنه يمر بالمجالس ، فيقول : إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته ” .

وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (8/402) :

” يجوز دعاء أقارب الميت وأصحابه وجيرانه إذا توفي من أجل أن
يصلوا عليه ، ويدعوا له ويتبعوا جنازته ، ويساعدوا على دفنه ؛ لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أخبر أصحابه لما توفي النجاشي رحمه الله بموته ليصلوا عليه ”
انتهى .

وأما الإعلام بالموت بنداء ورفع صوت وذكر مآثر الميت فهذا النعي
قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

روى الترمذي (986) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه
قَالَ : إِذَا مِتُّ فَلا تُؤْذِنُوا بِي ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا ،
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ
النَّعْيِ . حسنه الحافظ ابن حجر ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .

قال السندي في “حاشية ابن ماجه” :

” َكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُشْهِرُونَ الْمَوْت بِهَيْئَةِ
كَرِيهَة ، فَالنَّهْي مَحْمُول عَلَيْهِ ، وَخَافَ حُذَيْفَة أَنْ يَكُون
الْمُرَاد إِطْلاق النَّهْي ، فَمَا سمِحَ بِهِ ، فَهُوَ مِنْ بَاب الْوَرَع ،
وَإِلا فَخَبَر الْمَوْت سِيَّمَا إِذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ كَتَكْثِيرِ
الْجَمَاعَة جَائِز ” انتهى .

وقال الحافظ في “الفتح” :

” النَّعْي لَيْسَ مَمْنُوعًا كُلّه , وَإِنَّمَا نُهِيَ عَمَّا
كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَصْنَعُونَهُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ مَنْ يُعْلِن
بِخَبَرِ مَوْت الْمَيِّت عَلَى أَبْوَاب الدُّور وَالأَسْوَاق .

قَالَ سَعِيد بْن مَنْصُور : أَخْبَرَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ
اِبْن عَوْن قَالَ قُلْت لإِبْرَاهِيم : أَكَانُوا يَكْرَهُونَ النَّعْي ؟ قَالَ :
نَعَمْ . قَالَ اِبْن عَوْن : كَانُوا إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُل رَكِبَ رَجُل
دَابَّة ثُمَّ صَاحَ فِي النَّاس : أَنْعِي فُلانًا . وقَالَ اِبْن سِيرِينَ : لا
أَعْلَم بَأْسًا أَنْ يُؤْذِن الرَّجُل صَدِيقه وَحَمِيمه .

وَحَاصِله أَنَّ مَحْض الإِعْلام بِذَلِكَ لا يُكْرَه , فَإِنْ
زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلا ” انتهى .

وفي “تحفة الأحوذي” :

” الظَّاهِرُ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ
بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى
مُطْلَقِ النَّعْيِ . وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ
بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّعْيُ الْمَعْرُوفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
قَالَ الأَصْمَعِيُّ : كَانَتْ الْعَرَبُ إِذَا مَاتَ فِيهَا مَيِّتٌ لَهُ قَدْرٌ
رَكِبَ رَاكِبٌ فَرَسًا وَجَعَلَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ وَيَقُولُ : نَعَاءِ فُلانٍ
أَيْ أَنْعِيهِ وَأُظْهِرُ خَبَرَ وَفَاتِهِ , وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لأَنَّهُ
قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ ,
وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ
بِمَوْتِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ قُتِلُوا بِمُؤْتَةَ . وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِمَوْتِ السَّوْدَاءِ أَوْ
الشَّابِّ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ : أَلا آذَنْتُمُونِي . فَهَذَا
كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الإِعْلامِ بِالْمَوْتِ لا يَكُونُ نَعْيًا
مُحَرَّمًا وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اِسْمُ
النَّعْيِ , وَلِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي
قَوْلِهِ : ( يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ ) النَّعْيُ الَّذِي كَانَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الأَحَادِيثِ .

قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ : يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ
الأَحَادِيثِ ثَلاثُ حَالاتٍ : الأُولَى إِعْلامُ الأَهْلِ وَالأَصْحَابِ وَأَهْلِ
الصَّلاحِ فَهَذَا سُنَّةٌ , الثَّانِيَةُ : دَعْوَةُ الْحَفْلِ لِلْمُفَاخَرَةِ
فَهَذِهِ تُكْرَهُ , الثَّالِثَةُ : الإِعْلامُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يُحَرَّمُ ” انتهى من “تحفة الأحوذي” .

وقال النووي في “المجموع” (5/174) :

” والصحيح الذي تقتضيه الأحاديث التي ذكرناها وغيرها أن الإعلام
بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه , بل إن قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب
وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس بذكره بهذه الأشياء , وهذا نعي
الجاهلية المنهي عنه , فقد صحت الأحاديث بالإعلام فلا يجوز إلغاؤها وبهذا الجواب
أجاب بعض أئمة الفقه والحديث المحققين ” انتهى .

وأما النعي برفع الصوت من غير ذكر للمفاخر والمآثر فقد ذهب جمهور
أهل العلم من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة إلى كراهية النداء في
الإعلام بموت الميت ؛ لما تقدم من حديث حذيفة رضي الله عنه .

ولأن النداء ورفع الصوت بموت الميت يشبه من حيث الصورة نعي
الجاهلية الذي ورد النهي عنه ، فإنهم كانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على
أبواب الدور والأسواق .

انظر : “العناية شرح الهداية” (3/267) ، “الخرشي على مختصر خليل” (2/139) ،
“المهذب” (1/132) ، “الشرح الكبير” (6/287) .

قال ابن قدامة في “المغني” :

” ويكره النعي , وهو أن يبعث مناديا ينادي في الناس : إن فلانا
قد مات . ليشهدوا جنازته . . . وقال كثير من أهل العلم : لا بأس أن يعلم بالرجل
إخوانه ومعارفه وذوو الفضل , من غير نداء . قال إبراهيم النخعي : لا بأس إذا مات
الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه , وإنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس : أنعي فلانا
. كفعل الجاهلية ” انتهى .

وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في
الأزقة والأسواق إذا كان نداءً مجرداً عن ذكر المفاخر .

قالوا : لأن في ذلك تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت
، وليس مثله نعي الجاهلية ، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء
وعويل وتعديد ونياحة .

انظر : “فتح القدير” (2/128) .

وأجاب الجمهور عن هذا بأن مقصود تكثير الجماعة من المصلين
والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت .

انظر : “فتح الباري” (3/117) .

وأما النعي على المنائر في المساجد فقد سبق الجواب عليه في
السؤال رقم (41959) .

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android