يشق عليه القيام للصلوات نظراً لظروف عمله وثقَل نومه
السؤال: 65605
مواعيد عملي تحتم عليَّ أن أعمل طوال الليل وأن أنام بالنهار ويصعب عليَّ أن أقوم بالصلوات الأربعة الأخرى ، نظراً للتعب في العمل فإني لا أستطيع القيام أثناء النوم والقيام بالصلاة ثم أنام مرة أخرى ولسبب آخر وهو أن ” نومي ثقيل ” وعندما أنام لا يستطيع أحد أن يوقظني من النوم ، حتى لو أني نويت القيام للصلاة أثناء النوم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعملون الأعمال الشاقة كالزراعة
والرعي وجمع الحطب ونحو ذلك ولم يكونوا من المفرطين في صلاتهم ، بل كانوا محافظين
عليها ليس في وقتها وحسب بل وفي جماعة ، وحافظوا على العبادة وطلب العلم ، ولم تأت
الرخصة لهم في ترك الصلاة من أجل العمل .
ولذلك فالواجب على أهل الأعمال وغيرهم أداء الصلوات في أوقاتها .
وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بأنهم لا تشغلهم أعمالهم عن طاعة الله تعالى ،
فقال : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا
وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )
النور/37-38 .
ثانياً :
والنائم معذور وقت نومه ، فإذا استيقظ وجب عليه أداء الصلاة بعد
استيقاظه .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال نبي الله صلى الله عليه
وسلم : ( مَن نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ) رواه
البخاري ( 572 ) ومسلم ( 684 ) .
قال الشوكاني رحمه الله :
” الحديث يدل على أن النائم ليس بمكلف حال نومه وهو إجماع …
وظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت
الصلاة أو بعده قبل تضيقه وقيل : إنه إذا تعمد النوم قبل تضيق الوقت واتخذ ذلك
ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما ,
والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم ; لأنه فعله في وقت يباح فعله فيه فيشمله
الحديث , وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك ”
انتهى .
” نيل الأوطار ” ( 2 / 33 ، 34 ) .
ثالثاً :
والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت
الصلاة ، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها ، فإن فعل ولم
يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، وقد حصل
هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره .
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : سرنا مع النبي صلى الله عليه
وسلم ليلة فقال بعض القوم : لو عَرَّست بنا يا رسول الله ( أي : نزلت بنا آخر الليل
حتى نستريح ) ، قال : أخاف أن تناموا عن الصلاة ، قال بلال : أنا أوقظكم ، فاضطجعوا
وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم
وقد طلع حاجب الشمس ، فقال : يا بلال أين ما قلت ؟ قال : ما ألقيت علي نومة مثلها
قط ، قال : إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء ، يا بلال قم فأذن
بالناس بالصلاة ، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى . رواه البخاري
( 570 ) ومسلم ( 681 ) وعنده : ( احفظوا علينا صلاتنا ) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً
لينبههم لصلاتهم ، إلا أنه غلبته عيناه ، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم
يكونوا مفرطين ، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليس في النوم
تفريط ) .
وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى
بعد الوقت : فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً ، وهو غير معذور بنومه .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل
منه ؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت ؟
فأجاب :
” أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها
في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه ، لقول النبي صلى
الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم
، والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر : قد عمل عملاً ليس
عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه .
لكن قد يقول : إنني أنام ، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : (
من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) .
فنقول : إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً ، أو
يجعل عنده ساعة تنبهه ، أو يوصي من ينبهه : فإن تأخيره الصلاة ، وعدم قيامه يعتبر
تعمداً لتأخير الصلاة عن وقتها ، فلا تقبل منه ” انتهى .
” مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” ( 12 / السؤال رقم 14 ) .
رابعاً :
وقد يكون الرجل ثقيل النوم ، فهذا على حالين :
الحال الأولى : أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب
العلم أو قيام الليل : فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من
أجل ما سبق ، ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات ، كما لا يجوز
له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع
الصلوات ، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً ؛ لأنه يستطيع تغيير العمل ، ويستطيع ترك
السهر .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
” الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله
تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش ، وفي أمن وأمان من الخوف ،
ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها ، سواء صلاة الفجر أم غيرها ،
ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون ، لأن هذا النوم لا
يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها ،
ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين ” انتهى .
” مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” ( 12 / السؤال رقم 14 ) .
وأما الحال الثانية : أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل ، وليس
له تعلق بسهر أو عمل ، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص ، فإن كان كذلك : فهو
معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ .
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاءت امرأة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت : يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا
يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ، قال : وصفوان عنده ، قال : فسأله عما قالت ، فقال
: يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال : (
فإذا استيقظت فصلِّ ) .
رواه أبو داود ( 2459 ) وصححه الشيخ الألباني في ” إرواء الغليل ” ( 7 / 65 ) .
والخلاصة :
أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر ، والسهر كان
بسبب العمل وعليه : فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا ؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم
أركان الإسلام بعد الشهادتين ، فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه . وسترى
التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك ، أما الدين : فإن أداء الصلوات في أوقاتها من
أعظم الواجبات ، وتركه من أعظم المحرمات ، وأما جسمك : فإن علماء الطب قد ذكروا
مضار كثيرة لمن يعمل بالليل ، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من
نوم الليل ، وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟