أنا مسلمة ، ولكن تملَّكني الشيطان فترة ، وارتكبت الكبائر ، ولكني الآن نادمة ، ولجأت إلى الله ، وتبت إليه ، ولكن سمعت أنه لا ينفع لي صوم ولا صلاة لأني فعلت أكبر الكبائر ، فهل هذا صحيح ؟ وهل فعلاً أن الله لن يقبل توبتي ؟.
هل فعل الكبائر يمنع قبول التوبة والطاعات؟
السؤال: 65621
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
نحمد الله تعالى أن وفقكِ للتوبة ، ونسأله عز وجل أن يثبتكِ على دينه ، وأن يحسن عاقبتكِ ، واعلمي أنك في نعمة عظيمة تحتاج إلى شكر الله تعالى ، فكم من عاصٍ مات ولم يتب ، وكم من ضال هلك قبل أن يرجع إلى ربه ، ولا شك أن توفيق الله لك للتوبة أمر عظيم في حياتك فينبغي أن يكون هذا الوقت وقت انطلاق في الطاعة ، وبذل لمزيد من الجهد في العبادة .
واعلمي أن ما سمعتيه من عدم قبول التوبة والصلاة والصيام لمن عمل الكبائر قول منكر ، وهو قول على الله بغير علم ، فقد دلت الأدلة الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن الله تعالى يقبل من عبده التوبة من جميع الذنوب مهما عظمت ، وأنه لا يجوز لأحدٍ أن يحول بين العبد وبين التوبة مهما بلغت ذنوبه كثرة وقبحاً .
قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .
وقال عز وجل – في بيان مغفرته لأعظم الذنوب – : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68– 70 .
وهي واضحة الدلالة على مغفرة الله تعالى للذنوب جميعاً – ولو كانت شركاً – بل إن فيها بياناً لفضل عظيم وهو تبديل السيئات حسنات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب بل يغفر الشرك وغيره للتائبين كما قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ، وهذه الآية عامَّة مطلقة لأنَّها للتائبين " انتهى . "مجموع الفتاوى" (2/358) .
وروى البخاري ومسلم (2766) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : لا . فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ (يعني حكماً) فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ .
وروى الترمذي (3540) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى ابن ماجه (4250) عَنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ ) . حسنه الألباني في صحي ابن ماجه .
فهذه الآيات والأحاديث تدل على أن الله تعالى يغفر جميع الذنوب مهما عظمت وكثرت لمن تاب إليه .
فاحرصي على العبادة والطاعة ، واندمي على ما فات من تفريط ومعاص ، واعلمي أن الله تعالى غني عن عباده ومع ذلك يفرح بتوبتهم ، بل ويبدل سيئاتهم حسنات .
ونسأل الله تعالى أن يعينكِ على ذِكره وشكره وحسن عبادته .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب