هل يجوز للمسلم أن يتجنب الذهاب لمراسيم جنازة شخص كان يعرف بالقسوة والوحشية ؟.
هل يترك تشييع جنازة شخص كان معروفا بالقسوة والوحشية ؟
السؤال: 67576
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
اتباع الجنازة حتى يصلى عليها ، أو حتى تدفن ، حق للمسلم على أخيه المسلم ، كما روى البخاري (1240) ومسلم (2162) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ : رَدُّ السَّلامِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ) .
وفي رواية لمسلم : ( خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ … ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية " انتهى من "فتح الباري" (3/136) .
أي أن اتباع الجنازة واجب على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين ، وإذا تركه الجميع أثموا .
وقد جاء الأمر باتباع الجنائز فيما رواه البخاري (2445) ومسلم (2066) عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ ، فَذَكَرَ : ( عِيَادَةَ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ ، وَرَدَّ السَّلامِ ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي ، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ ) .
وجاء في فضل اتباع الجنازة حتى يصلى عليها وحتى تدفن قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ . قِيلَ : وَمَا الْقِيرَاطَانِ ؟ قَالَ : مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ ) رواه البخاري (1325) ومسلم (945) .
ومع هذا فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على أناس ، عقوبةً ونكالاً لهم ، وزجراً عن أفعالهم ، فلم يصل على الغالّ من الغنيمة ، ولا على قاتل نفسه .
روى مسلم (978) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : ( أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ ) .
والمشاقص : جمع مشقص ، وهو سهم له طرف حاد عريض .
وروى أبو داود (2710) والنسائي (1959) وابن ماجه (2848) عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ ( أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ ) فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ . فَقَالَ : ( إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ لا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ ) .
والغلول : هو الأخذ من الغنيمة خفية قبل قسمتها .
وقد استفاد أهل العلم من هذا الحديث أن السنة في حق الإمام أن لا يصلي على الغال والقاتل نفسه ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وهنا مسألتان :
الأولى : هل يلحق بالإمام غيره من أهل العلم والفضل ؟
والثانية : هل يلحق بالغال والقاتل نفسه من هو مثلهم أو أشد كقطاع الطرق والظلمة وأصحاب الكبائر والمعاصي الظاهرة ؟
والجواب : نعم ، يلحق بالإمام غيره من أهل العلم والفضل ، ويلحق بالغال والقاتل من هو مثلهم أو أشد .
قال الباجي في "المنتقى" : " وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي امْتِنَاعِ الأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الصَّلاةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ عَلَى وَجْهِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ . وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ الإِيمَانِ لا يَخْرُجُونَ عَنْهُ بِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومن مات لا يزكي ولا يصلي إلا في رمضان ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليه عقوبة ونكالا لأمثاله ؛ لتركه صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه وعلى الغالّ والمدين الذي لا وفاء له ، ولا بد أن يصلي عليه بعض الناس … ومن مات مظهرا للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر ، ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجرا لأمثاله عن مثل فعله كان حسنا ، ومن صلى على أحدهم يرجو رحمه الله ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة كان حسنا ، ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما " انتهى .
"الاختيارات" (ص 80) .
ونقل المرداوي في "الإنصاف" (2/535) : عن الإمام أحمد أنه لا يصلى على أهل الكبائر . وقال : " واختار المَجْد (مجد الدين ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية) أنه لا يصلي على كل من مات على معصية ظاهرة بلا توبة . قال في الفروع : وهو متجه " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولو قال قائل : أفلا ينبغي أن يُعدّى هذا الحكم إلى أمير كل قرية أو قاضيها أو مفتيها ، أي من يحصل بامتناعه النكال ، هل يتعدى الحكم إليهم ؟
فالجواب : نعم ، يتعدى الحكم إليهم ، فكل من في امتناعه عن الصلاة نكال فإنه يسن له أن لا يصلي على الغالّ ، ولا على قاتل نفسه ".
ثم قال : " مسألة : هل يلحق بالغالّ ، وقاتل النفس من هو مثلهم ، أو أشد منهم أذية للمسلمين ، كقطاع الطرق مثلا ؟
الجواب : المشهور من المذهب : لا يلحق .
والقول الثاني : أن من كان مثلهم ، أو أشد منهم ، فإنه لا يصلي الإمام عليه ؛ لأن الشرع إذا جاء بعقوبة على جرم من المعاصي ، فإنه يلحق به ما يماثله ، أو ما هو أشد منه .
فإذا كان الذي غل هذا الشيء اليسير لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك بمن يقف للمسلمين في الطرق ، ويقتلهم ويأخذ أموالهم ، ويروعهم ، أليس هذا من باب أولى أن ينكل به ؟
الجواب : بلى ، ولهذا فالصحيح : أن ما ساوى هاتين المعصيتين ، ورأى الإمام المصلحة في عدم الصلاة عليه ، فإنه لا يصلي عليه " انتهى من "الشرح الممتع" (5/442) .
وبناء على ذلك : فمن كان معروفا بالقسوة والوحشية بحيث يرتكب الكبائر أو يجاهر بالمعاصي ، فينبغي أن يمتنع عن الصلاة عليه أهل العلم والفضل ممن يكون لامتناعهم تأثير في الزجر عن هذه المعاصي والتنفير منها ومن أهلها ، وأما آحاد الناس الذين لا يترتب على امتناعهم عن الصلاة والتشييع مصلحة ، فينبغي أن يتبعوا الجنازة ويصلوا عليها تحصيلا للأجر والثواب ، وقياما بحق المسلم .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب