أرجو التفصيل في بيان حكم زكاة أسهم الشركات ، هل فيها زكاة أم لا ؟ وما مقدارها ؟.
تفصيل القول في زكاة الأسهم
السؤال: 69912
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
السهم : هو حصة الشريك في رأس مال شركة مساهمة .
كما يعرف السهم بأنه الصك المثبت لهذا النصيب .
انظر : "الأسهم والسندات" (ص 47) ، "موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية" (ص 775) .
والسهم ينتج جزءاً من ربح الشركة يزيد أو ينقص تبعاً لنجاح الشركة وزيادة ربحها أو نقصه , ويتحمل نصيبه من الخسارة , لأن مالك السهم مالك لجزء من الشركة بقدر سهمه .
قيمة السهم :
للسهم قيم متعددة على النحو التالي :
1- القيمة الاسمية : وهي القيمة التي تحدد للسهم عند تأسيس الشركة ، وهي المدونة في شهادة السهم .
2- القيمة الدفترية : وهي قيمة السهم بعد خصم التزامات الشركة ، وقسمة أصولها على عدد الأسهم المصدرة .
3- القيمة الحقيقية للسهم : وهي القيمة المالية التي يمثلها السهم فيما لو تمت تصفية الشركة وتقسيم موجوداتها على عدد الأسهم .
4- القيمة السوقية : وهي القيمة التي يباع بها السهم في السوق ، وهي تتغير بحسب حالة العرض والطلب .
والأسهم قابلة للتعامل والتداول بين الأفراد , كسائر السلع مما يجعل بعض الناس يتخذ منها وسيلة للاتجار بالبيع والشراء ابتغاء الربح من ورائها .
وقد سبق في جواب السؤال (8590 ) أنه لا بأس ببيع أسهم الشركات ما لم يكن نشاط الشركة محرماً .
كيف تزكى أسهم الشركات ؟
بعض المساهمين يتخذ الأسهم للاتجار بقصد الربح , وبعضهم يتخذها للاقتناء والكسب من ربحها لا للاتجار فيها .
فأما القسم الأول : فتعتبر الأسهم عنده عروض تجارة ، وتعامل في البورصة بالبيع والشراء ، فيكون حكمها حكم عروض التجارة , فتؤخذ الزكاة منها بقدر قيمتها في نهاية كل حول .
وأما القسم الثاني : فقد اختلف فيه العلماء والباحثون المعاصرون , ولهم في هذا اتجاهان رئيسان :
الأول : اعتبارها عروض تجارة , بقطع النظر عن نشاط الشركة .
قالوا : لأن صاحبها يربح منها كما يربح كل تاجر من سلعته , فهي بهذا الاعتبار من عروض التجارة .
وأصل هذا القول مبني على أن المعدات والآلآت الصناعية الآن فيها الزكاة , لأنها تعتبر ـ عندهم ـ أموالاً نامية .
وقد تبنى هذا القول : محمد أبو زهرة , وعبد الرحمن بن الحسن , وعبد الوهاب خلاف وغيرهم .
الاتجاه الثاني :
التفريق في حكم هذه الأسهم حسب نوع الشركة المساهمة التي أصدرتها .
وهو قول جمهور العلماء المعاصرين ، وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في بعض التفصيلات .
ويمكن تقسيم الشركات المساهمة إلى أربعة أنواع :
الأول : الشركات الصناعية المحضة التي لا تمارس عملاً تجارياً كشركات الصباغة وشركات الفنادق وشركات النقل ، فهذه لا تجب الزكاة في أسهمها , لأن قيمة هذه الأسهم موضوعة في الآلات والأدوات والمباني والأثاث ونحو ذلك مما يلزم الأعمال التي تمارسها , وهذه الأشياء لا زكاة فيها , وإنما تجب الزكاة في أرباح هذه الأسهم إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول .
الثاني : الشركات التجارية المحضة .
الثالث : الشركات الصناعية التجارية .
أما الشركات التجارية المحضة فهي التي تشتري البضائع وتبعيها بدون إجراء عمليات تحويلية عليها كشركات الاستيراد والتصدير , وشركات التجارة الخارجية .
وأما الشركات الصناعية التجارية فهي التي تجمع بين الصناعة والتجارة , كالشركات التي تستخرج المواد الخام أو تشتريها ثم تجري عليها عمليات تحويلية ثم تتجر فيها , كشركات البترول , وشركات الغزل والنسيج , وشركات الحديد والصلب , والشركات الكيماوية , ونحو ذلك .
فهذان النوعان من الشركات ( شركات تجارية محضة , وشركات تجارية صناعية ) تجب الزكاة في أسهمها بعد خصم قيمة المباني والأدوات والآلات المملوكة لهذه الشركات .
ويمكن معرفة صافي قيمة المباني والآلات والأدوات بالرجوع إلى ميزانية الشركة التي تحصى كل عام .
الرابع : الشركات الزراعية ، وهي التي نشاطها زراعة الأراضي .
فهذه فيها زكاة الزروع والثمار – إن كان المحصول مما تجب فيه الزكاة – فينظر ما يقابل كل سهم من زروع وثمار وعلى صاحب السهم زكاته ، فعليه عشره إن كان يسقى بدون كلفة ، ونصف العشر إن كان يسقى بكلفة ، بشرط أن يبلغ نصيب المساهم نصاباً وهو 300 صاع .
وهذا الاتجاه مبني على أن المصانع والعمائر الاستغلالية كالفنادق والسيارات ونحوها ليس فيها زكاة , إلا في أرباحها إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول . وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (74987) .
وهذا القول الثاني أصح ، لأن السهم هو جزء من الشركة فكان له حكمها في الزكاة ، سواء كانت شركة صناعية أو تجارية أو زراعية .
وقد ذهب إلى هذا القول الشيخ عبد الرحمن عيسى في كتابه "المعاملات الحديثة وأحكامها" , والشيخ عبد الله البسام , ود/ وهبة الزحيلي كما في "مجلة المجمع الفقهي" (4/742) .
وذكر البسام أن التفريق بين الشركات التجارية والشركات الصناعية هو قول الجمهور .
مجلة المجمع الفقهي ( 4/1/725 ) .
تنبيه :
ويجب التنبه إلى أن الشركات الصناعية أو الزراعية لا تخلو خزائنها من أموال نقدية ، وهذه الأموال لا إشكال في وجوب الزكاة فيها ، فيقدر ما يعادل كل سهم من هذه النقود ، ويكون على صاحب السهم إخراج زكاتها ، إن بلغ نصاباً بمفرده ، أو كان يبلغ النصاب بضمه إلى ما عنده من نقود .
قاله الدكتور على السالوس ، كما في "مجلة المجمع الفقهي" (4/1/849) .
ونبه عليه الشيخ ابن عثيمين أيضا بقوله :
" إن كان الإنسان قد اشترى هذه الأسهم للتجارة ـ بمعنى أنه يشتري هذه الأسهم اليوم ويبيعها غداً كلما ربح فيها ـ فإنه يجب عليه أن يزكي هذه الأسهم كل عام ، ويزكي ما حصل فيها من ربح .
وأما إذا كانت هذه الأسهم للاستغلال والتنمية ، ولا يريد أن يبيعها فإنه ينظر ؛ فما كان نقوداً ـ ذهباً أو فضة أو ورقاً نقديًّا ـ وجبت فيها الزكاة ، لأن الزكاة في النقود والذهب والفضة واجبة بعينها ، فيزكيها على كل حال .
وحينئذ يسأل القائمين على هذه الدار عما له في خزينتهم من الأموال .
وإن كانت أعياناً ومنافع ؛ لا ذهباً، ولا فضة ، ولا نقوداً ، فإنه ليس فيها زكاة ، وإنما الزكاة فيما يحصل بها من ربح إذا حال عليه الحول من ملكه إياه " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/199) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : استثمرنا مبالغ في شراء أسهم لشركات ، علماً بأن بعض هذه الشركات ستخصم الزكاة الشرعية قبل توزيعها الربح وبعضها لا تحسب زكاة شرعية فهل تجب الزكاة على رأس المال أو على أرباح هذه الشركات ؟ علماً بأن أصل المساهمة نوعان :
أ – نوع بغرض استلام الأرباح فقط وليس بغرض بيع الأسهم .
ب – ونوع آخر لبيع الأسهم كعروض تجارة .
فأجابت :
" عليه إخراج الزكاة عن السهام التي للبيع وعن أرباحها كل سنة ، وإذا كانت الشركة تخرج الزكاة عن أصحابها بإذن منهم كفى ذلك ، أما السهام التي أراد استثمارها فقط فإن الزكاة تجب في أرباحها إذا حال عليها الحول إلا أن تكون نقوداً فإن الزكاة تجب في الأصل والربح " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/341) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : تقيم بعض المؤسسات التجارية مساهمات في العقار وغيره ، وتبقى المبالغ المالية مدة طويلة عند المؤسسة قد تصل إلى سنوات فكيف تزكى أموال هذه المساهمات ؟ وهل يجوز أن يقوم صاحب المؤسسة بإخراج زكاة جميع هذا المال في وقته ، ثم يقوم بحسمه من رأس مال المساهمين أو أرباحهم قبل توزيعها ؟
فأجاب :
" المساهمات التجارية تجب فيها الزكاة كل سنة ؛ لأنها عروض تجارة ، فتقدر قيمتها كل سنة حين وجوب الزكاة ويخرج ربع عشرها ، سواء كانت تساوي قيمة الشراء ، أو تزيد أو تنقص .
أما إخراج صاحب المؤسسة لزكاة هذه المساهمات فإن كان بتوكيل من المساهمين فلا بأس ، ويقدر الزكاة على ما سبق ، وإن لم يوكلوه في إخراج الزكاة فلا يخرجها ، لكن عليه أن يبلغ المساهمين بما تساوي وقت وجوب الزكاة ، ليخرج كل واحد منهم زكاة سهمه بنفسه ، أو يوكلوه في إخراج الزكاة ، وإن وكله بعضهم دون بعض أخرج زكاة سهم من وكله دون الآخرين .
ومعلوم أنه إذا أخرج الزكاة فسوف يحسمها من رأس المال ، أو من الربح " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/217) .
وخلاصة القول في هذا :
أن الأسهم الذي أراد بها صاحبها التجارة والربح ، وأسهم الشركات التجارية تجب فيها الزكاة ، في أصل السهم وربحه .
والشركات الصناعية تجب الزكاة في أرباحها إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول ، ولا زكاة في أسهمها إلا فيما يقابل السهم من نقود في خزينة الشركة .
والشركات الزراعية تجب الزكاة فيما يقابل السهم من زروع أو ثمار إذا كانت من الأصناف التي تجب فيها الزكاة بشرط أن تبلغ حصة المساهم نصابا ، وهو 300 صاع ، وتجب الزكاة أيضاً فيما يقابل السهم من نقود في خزينة الشركة .
هل الزكاة تجب على الشركة المساهمة أم على المساهمين ؟
ذهب بعض الباحثين إلى أن زكاة الأسهم واجبة على الشركة ، واحتجوا بأن الشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية مستقلة ، فهي تملك التصرف في المال ، والزكاة تكليف متعلق بالمال ، ولذلك لا يشترط لها البلوغ والعقل .
وأجيب عن هذا بأن الشركة وإن كان لها شخصية اعتبارية فإن هذه الشخصية لا تصلح لوجوب الزكاة عليها ، إذ من شروط وجوب الزكاة : الإسلام والحرية . . . إلخ وهي أوصاف لا توصف بها الشركة .
ثم إن ملك الشركة للمال إنما هو بالنيابة عن المساهمين ، فالملك في الأصل هو للمساهمين لا للشركة .
واحتجوا أيضاً بالقياس على المشاركة في بهيمة الأنعام ، فإن الزكاة تجب في المال المجتمع ككل ، وليس في مال كل شريك على حدة .
وأجيب عن هذا بأن وجوب الزكاة في الماشية المجتمعة ليس معناه أن المال وجب على الشركة باعتبارها شخصية اعتبارية ، وإنما معناه ضم مال الشركاء بعضه إلى بعض وحساب زكاته كمالٍ لشخص واحد .
وذهب جمهور العلماء والباحثين إلى وجوب الزكاة على المساهم – وهو الصواب – لأن المساهم هو المالك الحقيقي للمال ، والشركة تتصرف في أسهمه نيابة عنه حسب الشروط المذكورة في نظام الشركة .
ولأن الزكاة عبادة تحتاج إلى نية عند فعلها ، ويثاب على إخراجها ويعاقب على منعها ، وهو ما لا يتصور في الشركة المساهمة .
من الذي يخرج زكاة الأسهم : الشركة أم صاحب السهم ؟
الأصل أن الذي يخرج زكاة السهم هو صاحب السهم نفسه ، لأنه المالك له المكلف بإخراج زكاته ، لكن لا حرج من إخراج الشركة الزكاة نيابة عن أصحاب الأسهم ، وقد ذكر المجمع الفقهي أنه لا مانع من إخراج الشركة المساهمة الزكاة في أربع حالات :
" إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك ، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية ، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة ، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه" .
"مجلة المجمع الفقهي" (4/1/881) .
قدر زكاة الأسهم :
زكاة أسهم الشركات هو ربع العشر أي : 2.5 بالمائة سواء قصد مالكها بها التجارة أو الاقتناء من أجل أرباحها السنوية , لأنها إن كانت من أجل التجارة بها , فهي عروض تجارة , وزكاة عروض التجارة ربع العشر , وإن كانت من أجل الاقتناء والربح السنوي فهي تشبه العقار المؤجر , وزكاة أجرة العقار ربع العشر .
متى يبدأ حساب الحول للأسهم ؟
أما الأسهم في الشركات التجارية ، أو الأسهم الذي يتاجر فيها صاحبها فالأرباح فيها تابعة لأصل المال في الحول ، لأن ربح التجارة لا يحسب له حول جديد ، بل حوله هو حول أصل المال إن كان أصل المال يبلغ النصاب .
"المغني" (4/75) .
ويجب التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب أو فضة أو نقود لا يبدأ لها حول جديد من شرائها وإنما يبني على حول النقود التي اشتريت بها إن كانت نصاباً .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " واعلم أن عروض التجارة ليس حولها أن تأتي سنة بعد شرائها ، بل إن حولها حول المال الأصلي ، لأنها عبارة عن دراهم من رأس مالك حولتها إلى عروض ، فيكون حولها حول مالك الأول " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/234) .
انظر جواب السؤال (32715) .
أما الشركات الصناعية والتي تقتنى أسهمها من أجل الاستثمار والربح السنوي منها لا بقصد التجارة ، فهذه الأسهم تجب الزكاة في أرباحها إن بلغ الربح بمفرده نصابا ، أو كان يبلغ النصاب بضمه إلى ما عنده من نقود ، ويبدأ حساب الحول من حين قبض هذه الأرباح ، كما قرر ذلك المجمع الفقهي ، والشيخ عبد الله البسام .
انظر : مجلة المجمع الفقهي ( 4/1/722 ) .
وينبغي التنبه إلى أن أسهم الشركات الزراعية ، والتي تجب فيها زكاة الزروع والثمار لا يشترط لوجوب الزكاة فيها مرور الحول ، باتفاق العلماء ، لقوله سبحانه : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) الأنعام/141 .
"الموسوعة الفقهية" (23/281) .
فتقدر زكاة كل محصول بمفرده .
كيف تحسب قيمة السهم لإخراج الزكاة ؟
أما الأسهم التي تجب فيها الزكاة (وهي الأسهم التي يتاجر فيها صاحبها ، أو أسهم الشركات التجارية) فتخرج الزكاة على حسب قيمتها السوقية في نهاية الحول .
لأن هذه الأسهم عروض تجارة ، وعروض التجارة تقوم في نهاية الحول ثم تخرج زكاتها على هذه القيمة ، بقطع النظر عن قيمة السهم الاسمية .
وأما الأسهم التي لا زكاة فيها ( وهي أسهم الشركات الصناعية ) فلا يحتاج إلى تقويمها في نهاية الحول لأن الزكاة إنما هي على الأرباح وليست على الأسهم .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الزكاة على الأسهم تكون على القيمة الرسمية للسهم أم القيمة السوقية أم ماذا ؟
فأجاب :
" الزكاة على الأسهم وغيرها من عروض التجارة تكون على القيمة السوقية ، فإذا كانت حين الشراء بألف ثم صارت بألفين عند وجوب الزكاة فإنها تقدر بألفين ، لأن العبرة بقيمة الشيء عند وجوب الزكاة لا بشرائه " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/197) .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة