هل يجوز للدولة المسلمة في عصرنا الحاضر أن ترهق مواطنيها في عملية دفع فواتير الكهرباء والماء بحجة الترشيد والتقليل من استهلاك الطاقة ؟
أليس إنارة الشوارع والطرقات العامة يتنافى مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : ( … وأطفئوا مصابيحكم ) .
يوجد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه : ( لا يمنع المسلم أخاه المسلم من ثلاث : الماء ، والكلأ والنار ) .
ألا يجوز لنا أن نتحايل في دفع هذه الفواتير المرهقة ؟ وإذا كان لا يجوز هذا التحايل فكيف السبيل إلى تغيير نمط الحياة في الوقت الذي لا يعذر فيه رب الأسرة من أسرته وأقاربه وجيرانه ؟.
هل يجوز التهرب من دفع فواتير الكهرباء لأن الدولة ترهقهم بذلك؟
السؤال: 70274
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
يجب على الحكومات والمسئولين أن يرفقوا بمواطنيهم ، وألا يحملوهم ما لا يستطيعون ، ولا يجوز للدولة احتكار السلع والخدمات الأساسية الضرورية التي لا يستغني الناس عنها ثم تبيعها لهم بأسعار مرتفعة .
ولتعلم الحكومات أنها ليست شركات استثمارية ، همها الربح من المواطنين ، وإنما واجبها الأعظم هو خدمة المواطنين والتيسير عليهم والرفق بهم ، وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ) رواه مسلم (1828) .
وليعلم هؤلاء أنهم موقوفون غداً بين يدي الله ، ومحاسبون على أعمالهم ، ومجزيون عليها ، وسيسأل كل حاكم ومسئول وصاحب ولاية عن كل من تحت رعيته ( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) .
ورضي الله عن عمر ، كان يقول : لو عثرت بغلة بالعراق ( على أطراف الدولة الإسلامية يومئذ ) لسألني الله عنها يوم القيامة : لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يوم القيامة يا عمر !!
إلى هذا الحد سيكون السؤال يوم القيامة ، حتى عن الحيوانات ، فكيف بمئات الآلاف أو الملايين من الناس الذين وقع عليها الظلم ؟!
والعدل به قامت دولٌ ، وبالظلم انهارت دولٌ .
” ولهذا قيل : إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ; ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة . ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والإسلام . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم ) ; فالباغي يصرع في الدنيا وإن كان مغفورا له مرحوما في الآخرة ، وذلك أن العدل نظام كل شيء ; فإذا أقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامت ، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ، ومتى لم تقم بعدل لم تقم ، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة ”
“مجموع الفتاوى” لشيخ الإسلام ابن تيمية (28/146) .
ثانيا ً:
على المسلم الصبر والاحتساب وألا يقابل الغش والظلم بمثله .
فلا يجوز التلاعب بعداد الكهرباء ، ولا التحايل على عدم دفع الفواتير المستحقة ؛ لما في ذلك من الغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل .
وقد سئلت اللجنة الدائمة : هل يجوز توقيف ساعة (عداد) الكهرباء أو الماء في دولة كافرة من أجل إضعاف تلك الدولة ؟ مع العلم بأن الدولة تأخذ مني ضرائب ظالمة رغماً عني .
فأجابت :
” لا يجوز ؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل ” انتهى.
“فتاوى اللجنة الدائمة” (23/441) .
وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً : هل يجوز التحايل للامتناع عن دفع فاتورة الكهرباء أو الماء أو التليفون أو الغاز أو أمثالهما ؟ علما بأن معظم هذه الأمور تتولاها شركات مساهمة يمتلكها عامة الناس .
فأجابت :
” لا يجوز ؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل ، وعدم أداء الأمانة ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) “انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (23/441) .
ثالثاً :
الاستدلال لما ذكرت بحديث : ( ثَلاثٌ لا يُمْنَعْنَ الْمَاءُ وَالْكَلأُ وَالنَّارُ ) رواه ابن ماجة (2473) وفي رواية : ( الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاثٍ فِي الْمَاءِ وَالْكَلإِ وَالنَّارِ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ ) رواه ابن ماجه (2472) وصححهما الألباني في صحيح ابن ماجه ، هذا الاستدلال غير صحيح ، فإن هذه الأشياء إذا حيزت وجُمعت ، جاز بيعها ، كأن يباع الماء في قوارير مثلا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” قوله : ” ولا يصح بيع نقع البئر ” نقع البئر هو : ماؤه الذي نبع من الأرض ، فلا يجوز بيع هذا الماء ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الناس شركاء في ثلاث : الماء والكلأ والنار ) ولأن هذا الماء لم يخرج بقدرة الإنسان ؛ بل بقدرة الله عز وجل ، فقد يحفر الإنسان بئرا عميقا ولا يخرج الماء فليس من كده ولا فعله ، بل هو سبب ، فلذلك لا يملكه ، وإذا كان لا يملكه فإنه لا يصح بيعه ، أما إذا ملكه وحازه وأخرجه ووضعه في البركة فإنه يجوز بيعه ؛ لأنه صار ملكا له بالحيازة ” انتهى من “الشرح الممتع” (8/154) .
وكذلك الاستدلال بحديث الأمر بإطفاء المصابيح ، فإن ظاهره الاقتصار على المصابيح والسرج التي يمكن أن تكون سبباً في إحراق البيت ، ولفظ الحديث ما رواه أبو داود (5247) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا ، فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ ، فَقَالَ : ( إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقَكُمْ ) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى مسلم (2012) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَطْفِئُوا السِّرَاجَ . . . فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ ) .
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطفاء السرج قبل النوم إذا خيف من تركها أن تكون سببا في حصول حريق في البيت ، ولذلك ذكر العلماء كابن دقيق العيد والنووي والحافظ ابن حجر أن الإنسان إذا استوثق قبل نومه ، من عدم سقوط المصباح ، فلا حرج عليه حينئذ من النوم وترك المصباح موقداً .
انظر : “فتح الباري” (11/89) .
وقد يقال : إن إنارة الشوارع في الليل سبب لتقليل الجرائم والشرور ، وهذا أمر مشاهد معلوم .
رابعاً :
ينبغي لكل إنسان أن يقتصد في استعمال الكهرباء والماء ، وأن يكتفي بالقدر الذي يحتاجه ، دون إسراف ، لعموم الأدلة الناهية عن الإسراف والتبذير وإضاعة المال ، دون مراعاة لما يقوله الأقارب والجيران ، ومن الملاحظ أن كثيرا من الناس يضيئون جميع غرف البيت دون حاجة لذلك ، أو يشغلون أجهزة التكييف أو السخانات بإسراف .
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب