حكم الصلاة خلف من يشرب الدخان
السؤال: 70305
هل تصح الصلاة خلف إمام يشرب الدخان ، علماً بأنه توجد مساجد أخرى لكن تجتمع الأئمة على الاشتراك في التدخين – ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
شرب الدخان حرام ، ولا شك في ذلك عند العلماء ، وهو ضار ولا شك
في ذلك عند الأطباء والعقلاء ، وارتكاب هذا الفعل من إمام مسجد : يعد من المجاهرة
بالمعصية ، وبعض أهل العلم يمنع من الصلاة خلفه ، إلا أن الصواب جواز ذلك ، مع
التنبيه أن غيره من أهل العدالة أولى .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
ما حكم شرب الدخان ، وحكم إمامة من يجاهر بذلك ؟ .
فأجاب :
قد دلت الأدلة الشرعية على أن شرب الدخان من الأمور المحرمة
شرعاً ؛ وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة ، والله سبحانه لم يبح
لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيباً نافعاً ، أما ما كان ضارّاً لهم في
دينهم أو دنياهم أو مغيراً لعقولهم : فإن الله سبحانه قد حرمه عليهم ، وهو عز وجل
أرحم بهم من أنفسهم ، وهو الحكيم العليم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره ، فلا يحرم
شيئاً عبثاً ، ولا يخلق شيئاً باطلاً ، ولا يأمر بشيءٍ ليس للعباد فيه فائدة ؛ لأنه
سبحانه أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وهو العالم بما يصلح العباد وينفعهم في
العاجل والآجل ، كما قال سبحانه : ( إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )
الأنعام/83 ، وقال عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا ) الإنسان/30 .والآيات في هذا المعنى كثيرة . ومن
الدلائل القرآنية على تحريم شرب الدخان قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة
المائدة : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ ) المائدة/4 ، وقال في سورة الأعراف في وصف
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )
الأعراف/157 الآية .
فأوضح سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أنه سبحانه لم يحل
لعباده إلا الطيبات ؛ وهي الأطعمة والأشربة النافعة ، أما الأطعمة والأشربة الضارة
كالمسكرات والمخدرات وسائر الأطعمة والأشربة الضارة في الدين أو البدن أو العقل :
فهي من الخبائث المحرمة ، وقد أجمع الأطباء وغيرهم من العارفين بالدخان وأضراره أن
الدخان من المشارب الضارة ضررا كبيرا ، وذكروا أنه سبب لكثير من الأمراض كالسرطان
وموت السكتة وغير ذلك ، فما كان بهذه المثابة فلا شك في تحريمه ووجوب الحذر منه ،
فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يشربه ، فقد قال الله تعالى في كتابه المبين : (
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ
يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ) الأنعام/116
، وقال عز وجل : ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ
أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا )
الفرقان/44 .
أما إمامة شارب الدخان وغيره من العصاة في الصلاة : فلا ينبغي أن
يتخذ مثله إماماً ، بل المشروع أن يختار للإمامة الأخيار من المسلمين المعروفين
بالدين والاستقامة ؛ لأن الإمامة شأنها عظيم ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن
كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما )
الحديث ، رواه مسلم في صحيحه ، وفي
الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمالك بن الحويرث وأصحابه : ( إذا
حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ) .
لكن اختلف العلماء رحمهم الله هل تصح إمامة العاصي والصلاة خلفه
، فقال بعضهم : لا تصح الصلاة خلفه ؛ لضعف دينه ونقص إيمانه ، وقال آخرون من أهل
العلم : تصح إمامته والصلاة خلفه ؛ لأنه مسلم قد صحت صلاته في نفسه فتصح صلاة من
خلفه ؛ ولأن كثيراً من الصحابة صلوا خلف بعض الأمراء المعروفين بالظلم والفسق ،
ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما قد صلى خلف الحجاج وهو من أظلم الناس ، وهذا هو القول
الراجح ، وهو صحة إمامته والصلاة خلفه ، لكن لا ينبغي أن يتخذ إماما مع القدرة على
إمامة غيره من أهل الخير والصلاح .
” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 12 / 123 – 127 ) .
وسئل الشيخ – رحمه الله – أيضاً – :
ما حكم الصلاة خلف العاصي كحالق اللحية وشارب الدخان ؟ .
فأجاب :
اختلف العلماء في هذه المسألة : فذهب بعضهم إلى عدم صحة الصلاة
خلف العاصي ؛ لضعف إيمانه وأمانته ، وذهب جمع كبير من أهل العلم إلى صحتها ، ولكن
لا ينبغي لولاة الأمر أن يجعلوا العصاة أئمة للناس مع وجود غيرهم ، وهذا هو الصواب
؛ لأنه مسلم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ويؤديها على هذا الأساس فصحت صلاة من خلفه ،
والحجة في ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في
الصلاة خلف الأمراء الفسقة : ( يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم
وعليهم ) – رواه البخاري الأذان ( 662 ) – ، وجاء عنه عليه
الصلاة والسلام أحاديث أخرى ترشد إلى هذا المعنى ، وصلى بعض الصحابة خلف الحجاج وهو
من أفسق الناس ؛ ولأن الجماعة مطلوبة في الصلاة ، فينبغي للمؤمن أن يحرص عليها ،
وأن يحافظ عليها ولو كان الإمام فاسقاً ، لكن إذا أمكنه أن يصلي خلف إمام عدل : فهو
أولى ، وأفضل ، وأحوط للدين .
” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 6 / 400 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
الصلاة تصح خلف المدخن , وصلاة المدخن صحيحة , ومن صحت صلاته :
صحت إمامته ؛ لأن المقصود أن يكون إماما لك ، وهذا يكون بصحة الصلاة , ولهذا لو
وجدت شخصاً يشرب الدخان , أو حالق اللحية , أو يتعامل بالربا , أو ما شابه ذلك :
فلا حرج عليك أن تصلي معه ، وصلاتك صحيحة .
” مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” ( 15 / السؤال رقم 1003 ) .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟