أسلم وأمه تريد منه الرجوع إلى النصرانية
السؤال: 72252
أنا طالب من اليونان وأبلغ من العمر 18 عاما . وقد أسلمت منذ أسبوعين . وأنا أصلي بشكل عادي خمس مرات في اليوم ، وأذهب للمسجد وأدرس القرآن . لكني واجهت بعض المشاكل منذ ذاك . صديقتي قبلت بذلك ونحن نخطط على الزواج في المستقبل . وكذلك فقد قبلت أختي بالأمر . لكن أمي هي المشكلة . فقد دب الفتور في علاقتها معي . فهي تريدني أن أعود للنصرانية مرة أخرى وهي لا تقبل بالإسلام على الإطلاق . لقد قالت لي إن النصارى سينظرون إليّ على أني خائن وسيقول المسلمون إني تابع لهم ، لأني ولدت نصرانيا . أنا لم أخبر أبي بأي شيء حتى الآن (فوالداي مطلقان) ، وذلك لأنه لن يقبل بذلك (فهو نصراني أيضا) ولأنه سيتشاجر مع والدتي . أفضل صديق عندي هو مسلم وقد ساعدني كثيرا ، لكن والدتي تظن أنه أجبرني على الإسلام ، وهذا غير صحيح . لقد درست الإسلام وأدركت أنه الدين الصحيح ، وذلك الذي دفعني لاعتناقه . ما هي نصيحتك للتعامل مع أهلي ؟ أنا لا أريد أن أخيب أملهما ، خصوصا والدتي ، لأنها عانت كثيرا بسبب الطلاق . وأشكرك على اهتمامك .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
نهنئك ونبارك لك ، على هذه النعمة التي مَنَّ الله بها عليك ،
فإنها والله أعظم النعم ، وإنه التوفيق الذي نسأل الله أن يدخلك به الجنة ، ويجمعك
به مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فهنيئا لك , ثم هنيئا لك ، أقبلت على
الله في هذه السن التي أقبل في مثلها الأخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ،
كمصعب بن عمير ، وعبد الله بن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وسعد بن معاذ . نهنئك لأن
صحيفتك صارت بيضاء نقية ، لم تندس بالذنوب ، فقد محى الإسلام ما كان قبله ، وأنت
الآن تستقبل عمرا جديدا ، وحياة سعيدة بإذن الله ، ونسأل الله أن يحفظك ، ويثبت
قلبك ، ويهدي والديك وإخوانك وأحبابك .
ثانيا :
نحمد الله أنك بدأت طريق الهداية بالذهاب إلى المسجد ، ودراسة
القرآن ، فإن هذا عنوان الخير ، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ يُرِدْ
اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) رواه البخاري (71) ومسلم
(1037) . وعليك أن تبذل الجهد في حفظ القرآن وترتيله وقيام الليل به
، وتعلم أحكامه ، والعمل بما فيه ، فإن الجنة درجات ، وإن صاحب القرآن يقال له في
الجنة : اقرأ وارتق ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها .
ثالثا :
إن الموقف الذي بدر من أمك تجاهك ، لا يُستغرب ، فإن معركتك
الحقيقية مع الشيطان ، وهو لا يرضى بإسلامك ، ولا يحب لك الخير ، فلا شك أنه
سيستعين بأقاربك ، ويوسوس لأهلك ، حتى يستخدمهم سلاحا ضدك ، ويمنعهم من اللحاق بك
في موكب الإيمان الحق ، فلا تحزن ، ولا تيأس ، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم ،
ليصرف كيده عنك ، وكن رفيقا رحيما بأمك ، فإنها لو ذاقت طعم الهداية ما وقفت في
طريقك ، واستعن بالله تعالى في دعوتها ، ونصحها ، وأكثر من الدعاء لها بالهداية
والرحمة ، فلعلك توافق ساعة إجابة ، فتقر عينك بإسلامهم وصلاحهم .
واعلم أنك لست وحدك في هذا الميدان ، فهناك آلاف الناس ممن وفقهم
الله لمعرفة الحق ، واختيار الإسلام عن رضا وقناعة ، وكثير منهم لاقى معارضة وصدودا
من أهله ، ثم شاء الله بالفتح ، وجاء بالفرج ، فأسلم البيت كله ، بل العائلة كلها ،
وكان ذلك في ميزان حسنات الابن الموفق ، نسأل الله أن يجعلك من هؤلاء وأن يسعدك
بإسلام أهلك جميعا .
واعلم أن وجود المعارضة من البيت هو اختبار وابتلاء للمسلم ، حتى
يظهر صدق إسلامه ، وقوة إيمانه ، كما قال الله تعالى : ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ
أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت/1- 3 .
ومن نماذج المؤمنين الصادقين الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي
الله عنه ، كان برّاً بأمه ، فلما أسلم امتنعت أمه عن الطعام والشراب ، حتى يرجع عن
دينه ، فأبى رضي الله عنه ، وثبت على إسلامه ، ولم تجد أمه فائدة من إضرابها فعادت
لطعامها وشرابها ، ومما ورد في ذلك قوله رضي الله عنه : ( يا أمّه , تعلمين والله
لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفسا ما تركت ديني هذا لشيء ، فإن شئت فكلي ، وإن
شئت لا تأكلي . فأكلت ) .
انظر : “تفسير ابن كثير” (3/429) .
رابعا :
لقد عالج القرآن هذه المشكلة ، لأنها كثيرة الوقوع ، لا سيما في
الجيل الأول الذي فارق الكفر ، واعتنق الإسلام ، ولاقى حربا شديدة من قبل الأهل
والعشيرة وأقرب الناس ، قال الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ
لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ
بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/14- 15
فلا مجال لطاعة الوالدين في الكفر ، بل لا مجال لطاعتهما في
المعصية ، ولكن هذا لا يمنع من الإحسان إليهما ، والقيام على شئونهما ، وبذل الغالي
والنفيس في سبيل هدايتهما ، وهذا دليل على عظمة الإسلام ، وأنه دين الرحمة والمحبة
، لهذا يدعو أتباعه إلى هداية الناس وإدخالهم في النعمة التي دخلوا فيها .
خامسا :
من اختار طريق الهداية ، فلا يلتفت إلى كلام الآخرين ، ولا يتعجب
من صدوره ، فإنه أمر متوقع ، وإلا فماذا سيقول عنك النصارى ؟ هل سيقولون : إنك
اهتديت ، وعرفت الحق ، وآثرته على الأهل والأقارب ؟! الجواب : لا ، لن يقولوا ذلك ،
فلا تلتفت لقولهم : خائن أو غير ذلك ، وانظر إليهم بعين الشفقة والحرص على هدايتهم
، وابذل الجهد حتى تتعلم وتصبح داعية تنتشلهم مما هم فيه من الضلال والانحراف .
وأما ظنُّ أمك أن المسلمين سيقولون : إنك تابع ؛ لأنك ولدت
نصرانيا ، فهذا ليس صحيحا ، بل سنقول : إنك أخ لنا , اخترت الهداية ، ورجعت للفطرة
التي ولدت عليها ، فلقد ولدت على الإسلام والتوحيد ، وعلماء النصارى يعلمون أن
المولود يولد على الفطرة ، ولهذا يسارعون إلى تعميد الطفل ، ويعتقدون أنه إذا لم
يعمّد سيكون مسلما ! وهذا دليل على أن الأصل هو الإسلام ، وأن الطفل لو ترك على
أصله لكان مسلما .
وليس في الإسلام تبعية لأحد إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم , لأنه
النبي الرسول الذي أمرنا باتباعه ، وما عدا ذلك فالإسلام يربي أتباعه على الحرية
والانعتاق من تسلط الكهنوت والأحبار والرهبان ، ولا يحوج العبد إلى واسطة بينه وبين
الله تعالى .
وأخيراً .. لقد قلت في سؤالك : إن صديقتك قبلت بإسلامك , وإنكما
تخططان للزواج في المستقبل .
وهنا , لابد أن تعلم أن مِنْ حرص الإسلام على عفة أتباعه وطهارة
قلوبهم أنه حرم على الرجال اتخاذ الصديقات , ولا يقر الإسلام علاقة بين رجل وامرأة
من هذا القبيل إلا إذا كانت في نطاق الزوجية , فإن كانت صديقتك نصرانية , فعليك
بدعوتها إلى الإسلام والحرص على هدايتها ففي ذلك خير كثير لكما إن شاء الله تعالى ,
فإن أبت فأخبرها أن الإسلام قد حرم هذه العلاقة التي بينكما , وأنك لن تقدم رضا أحد
كائناً من كان على رضى الرحمن , فإما أن تتزوجا ( ويجوز للمسلم أن يتزوج نصرانية )
وإما أن تفترقا , إيثاراً لرضى الله سبحانه وتعالى .
وأهم ما نوصيك به هو الإحسان إلى أمك وأبيك وإخوانك وأقاربك ،
والرفق بهم ، وتفهم ما يدور بمشاعرهم ، وسؤال الله الهداية لهم ، واختيار الوسائل
الحكيمة لدعوتهم ، ومن ذلك : الكلمة الطيبة ، والهدية ، والزيارة ، ودعوتهم لزيارة
المسجد ، وإعطاؤهم الكتيب والشريط النافع .
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك ، ويوفقك لكل خير .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟