حكم شراء بساتين المِشمِش قبل نضجها
السؤال: 72505
ما حكم الشريعة في شراء بساتين المشمش قبل النضج ، حيث يتسارع التجار إلى شرائها من الفلاحين وهى ما زالت غير ناضجة ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها ، بإجماع العلماء ، لثبوت
النهي عن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : (
نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَارِ حَتََّّى يَبدُوَ صَلَاحُهَا ، نَهَى البَائِعَ
وَالمُبتَاعَ – أي المشتري -) رواه البخاري (2194) ومسلم (1534) .
ومن باب أولى : لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها ، وهذا أيضاً أجمع
العلماء على تحريمه .
وحكمة النّهي عن بيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه هي خوف تلف الثّمرة ،
وحدوث العاهة عليها قبل أخذها ، فإنه يكثر تعرض الثمرة للآفات قبل بدو صلاحها ، وقد
ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَرَأَيتَ إِذَا
مَنَعَ اللَّهُ الثّمَرَةَ ، بِمَ يَأخُذُ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيهِ ؟ ) رواه
البخاري (1488) ومسلم (1555) .
والمراد ببدو الصلاح أول ظهوره وبدايته ، بحيث تكون الثمرة صالحة
للأكل ، وليس المراد كمال النضج ، ولذلك جاء في الحديث : ( حتى يبدو صلاحها ) ولم
يقل : ( حتى يتم صلاحها ) .
وروى مسلم (1536) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ( أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن بَيعِ الثَّمَرَةِ
حَتَّى تَطعَمَ ) وفي رواية : ( حَتَّى تَطِيبَ ) .
قال النووي رحمه الله تعالى في “المجموع” (11/150) :
” بدو الصلاح يرجع إلى تغير صفة في الثمرة ، وذلك يختلف باختلاف
الأجناس ، وهو على اختلافه راجع إلى شيء واحد مشترك بينها ، وهو طيب الأكل ”
انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” (4/33) :
” الضابط يدور على إمكان أكلها واستساغته ؛ لأنه إذا وصل إلى هذا
الحد أمكن الانتفاع به ، وقبل ذلك لا يمكن الانتفاع به إلا على كره ، وهو أيضا إذا
وصل هذه الحال من النضج قَلَّت فيه الآفات والعاهات ” انتهى
.
وبدو صلاح المشمش الوارد في السؤال : نص العلماء على أنه يكون
ببداية اصفراره مع حلاوته .
انظر : “المجموع” (11/151) .
ثانياً :
لكن هذا الحكم – وهو تحريم بيع الثمار قبل بدو صلاحها – قد
استُثني منه عدة صور ، يجوز فيها بيع الثمار ولو لم يبدُ صلاحها .
الأولى : أن يبيع الثّمرة مع الشّجر ، فهذا جائز ، سواء كان
الثمر قد بدا صلاحه أم لا ، ولا يختلف في ذلك الفقهاء ، لأنّ بيع الثّمر هنا تابع
للشّجر ، والقاعدة عند العلماء : ” أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في الشيء
المستقل ” .
الثانية : أن يبيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها بشرط أن يقطعها
المشتري في الحال ، ولا ينتظر نضجها ، فهذا البيع صحيح بالإجماع ، وعلّله العلماء
بأنّ المنع من البيع قبل بدوّ الصّلاح ، إنّما كان خوفاً من تلف الثّمرة ، وحدوث
العاهة عليها قبل أخذها ، وهذا مأمون فيما يقطع في الحال .
ويتصور اشتراط القطع في الحال في بعض الثمار التي يستفاد منها
قبل النضج ، كما لو كانت صالحة لتكون علفاً للبهائم مثلاً ، ونحو ذلك من أوجه
الانتفاع بها .
ثالثاً :
إذا كان البستان واحدا ، فلا يشترط أن يبدو الصلاح في كل شجرة من
شجر البستان ، بل يعتبر كل نوع على حدة ، فيكفي أن يبدو الصلاح في شجرة واحدة من كل
نوع .
فمثلاً : إذا كان البستان فيه أنواع من التمر كالبرحي والسكري
مثلا ، فلا يعتبر بدو الصلاح في البرحي كافياً لبيع السكري ، ولكن لا بد من بدو
الصلاح في كل نوع ، ولو في نخلة واحدة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” (4/31) :
” صلاح بعض الشجرة صلاح لها كلها ولسائر النوع الذي في البستان ”
انتهى .
انظر : “الموسوعة الفقهية” (9/190-194) .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟