أقرباؤه يؤذون والديه وحصلت مقاطعة بينهم فماذا يصنع ؟
السؤال: 75411
والدتي امرأة تقيَّة جدّاً ، لكني ومنذ طفولتي كنت أشاهد نشوء مشاكل عائلية تقع بينها وبين أقاربي ، هؤلاء الأقارب دائما يذكرون افتراءات غير مبنية على أسس ويكذبون دونما حياء أو خجل ، إنهم لا يشكرون لوالديّ مساهماتهم التي قدماها للعائلة ، لكنهم بالمقابل يتحدثون وراء ظهورنا ويهزؤون مِن تمسك والدتي بدينها ، ومع ذلك فإن والدتي لا تزال تريد أن تحافظ على صلة القرابة وكانت تصبر عليهم ، وفي بعض الأحيان كانت تشتكي لوالدي وتطلب منه أن يتدخل لكنه لم يفعل أي شيء ، وكان يقول : إن ذلك ربما يتسبب في قطع العلاقة معهم للأبد ، وكان يطلب منها الصبر ، وكانت والدتي تصبر على الإساءة ، وكانت تقابلهم بعكس ما كنَّ يعاملنها به ، لا لشيء إلا لتفوز برضى الله ورحمته ، إلا أنه في الآونة الأخيرة تدهور الوضع ، وقام زوج إحدى قريباتي بإهانة والدي ، وقرر والدي بعد ذلك أن يقطع العلاقة معهم ، كما طلبت عمتي أيضا من والدتي ألا تتصل بهم ، وأنا أجد نفسي ضائعا وسط هذا الزخم ولا أعرف كيف أتصرف ، والداي طلبا مني الامتناع تماما عن الاتصال بأقاربي ، لكني ولأني أعلم أن من يقطع العلاقات العائلية فقد قال الله بأنه سيقطعه يوم القيامة فإني أحادثهم من وقت لآخر ، مع أنهم لا يفعلون ذلك معي ، لكني أعلم أنه إن اكتشف والداي ما أقوم به فإن ذلك سيؤذيهما وسيغضبان عليَّ ، لقد قلت لوالدتي أن تسامحهم وأن تبدأ في الاتصال بهم ، وهي تقول إنها تريد ذلك ، لكنها لا ترغب أن تمر مجدَّداً بنفس المعاناة وتتعرض للإهانات التي تعرضت لها خلال سنوات ، ما هو الأسلوب الصحيح للتعامل مع مثل هذا الوضع ؟ هل أبذل جهوداً لأحافظ على الرحم مع أناس أهانوا والدي ؟ وكيف نضع حدّاً لهذا الوضع المزري ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يُعظم أجرك وأجر والدتك ، وأن يجمع بينكم
وبين أقاربكم على خير ، وأن يهديهم ويصلح أحوالهم .
وصلة الرحم لها منزلة عظيمة في شرع الله تعالى ، وهي تشمل أموراً
مادية وأخرى معنوية ، والمعنوية منها أهم بكثير ، فالمادية مثل الإحسان إليهم
بالمال ، والمعنوية مثل أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وهذا أعظم ما تكون به
الصلة .
وفي حال أن يكون أولئك الأقارب على انحراف وضلال وفساد ويخشى
المسلم على نفسه أن ينساق وراءهم أو يتأثر بهم فليهجرهم هجراً جميلاً ، وهو الذي لا
أذى فيه ولا قطيعة ، وعليه الإكثار من الدعاء لهم ، والإكثار من وعظهم وتذكيرهم
بالمراسلات والهاتف وغير ذلك من الوسائل التي تبقي تلك الصلة دون قطيعة ، ودون
تأثير منهم عليه .
ثانياً :
وتجب عليك صلة رحمك ولو منعك والدك ، والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول ( لاَ طَاعَةَ في مَعْصِيَةِ الله ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ )
رواه البخاري ( 6830 ) ومسلم ( 1840 ) .
لكن لا يجوز لكَ إيذاء والدك بإظهار المخالفة له ، فيمكنك صلة
أقاربك دون إعلامه بهذا ، وأن تستمر في محاولة رأب الصدع بينه وبين رحمه ، ولكن
ننبهك إلى أن تحرص على الأقارب الذين لا يكون منهم إظهار للفسق والفجور ، خشية أن
تتسبب في تأثير هؤلاء على أهل بيتك ، لكن احرص على أهل الدِّين والخير منهم ، فمثل
هؤلاء تكون الخسارة في قطيعتهم ، ويكون الأجر العظيم في الصلة بينهم وبين أهلك .
ثالثاً :
ومن الأمور التي تعين على الصلة بين الأقارب والتي نوجهك لها
لتخبر بها أهلك وأقاربك :
1. إعلامهم جميعاً بوجوب صلة الرحم وتحريم قطعها .
2. إعلامهم بحقيقة الصلة ، وأنها ليست المكافأة ، بل صلة القاطع
، ومقابلة الإساءة بالإحسان .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ
إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ،
فَقَالَ : ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلا
يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ) .
رواه مسلم ( 2558 ) .
الملّ : الرماد الحار .
قال النووي – رحمه الله – :
” ويجهلون ” أي : يسيئون , والجهل هنا القبيح من القول , ومعناه
: كأنما تطعمهم الرماد الحار , وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد
الحار من الألم , ولا شيء على هذا المحسن , بل ينالهم الإثم العظيم في قطعيته ,
وإدخالهم الأذى عليه .
وقيل : معناه إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة
إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل .
وقيل : ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم .
” شرح مسلم ” ( 16 / 115 ) .
3. الصفح عنهم في حال أن يصدر منهم خطأ ، والعفو في حال أن
يعتذروا .
4. تخفيف الزيارات وتجنب المزاح ، فربما كانت كثرة اللقاءات
والزيارات ، وما يحصل فيها من تجاوز للشرع ، أو تجاوز في المباح هو من الأسباب التي
تؤدي للقطيعة .
5. محاولة الابتعاد عن الأقارب في السكن ، فربما تسبب تقارب
السكن في القطيعة بين الناس ، إما بسبب الأولاد وإما بسبب الزوجات أو غيرهما .
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمَّاله : ” مروا
الأقارب أن يتزاوروا ولا يتجاوروا ” .
قال الغزالي – معلقا على كلام عمر – :
” وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق ، وربما
يورث الوحشة وقطيعة الرحم “.
” إحياء علوم الدين ” ( 2 / 216 ) .
وقال أكثم بن صيفي : ” تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة ” .
6. ترك الاستماع لأهل الفتنة الذين يفرقون بين المرء وأهله ،
والذين يسوؤهم اجتماع الأسرة الواحدة ، وهم النمامون أصحاب الكبائر .
7. استعن بالله تعالى بدعائه في صلاتك وفي آخر الليل أن يهدي
الله أقاربك لأحسن الأخلاق والأفعال والأخلاق .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟