عندنا في الجزائر البرامج التي تستعمل في جهاز الكمبيوتر نشتريها من الباعة ، ونعلم أن هذه النسخ التي نشتريها ليست أصلية ، ونعلم أن بيعها أو شراءها غير جائز ؛ لأنها محفوظة الحقوق ، وللعلم لا تصلنا النسخ الأصلية حتى نشتريها ، وغير متوفرة ، فهل عدم توفرها يجيز لنا شراء النسخ غير الأصلية ؟
حكم شراء برامج الحاسوب المنسوخة
السؤال: 81614
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
هذه المسألة هي جزء من مسألة كبيرة تسمى بـ " الملكية الفكرية " ، وهي من المسائل التي طال الحديث حولها شرعيّاً ، بل وحتى دوليّاً ؛ نظراً للأهمية التي تترتب عليها ، فهي تشمل الملكية الصناعية التي تحفظ حقوق براءات الاختراع والاكتشافات والأسماء الصناعية ، كما تشمل الملكية الأدبية والفنية التي تشمل حقوق التأليف والتصنيف .
والحقيقة أن مثل هذه المسائل النوازل تحتاج إلى دراسة شاملة لجميع الجوانب المتعلقة بها ، سواء كانت تشريعية أو تأصيلية أو اقتصادية أو غير ذلك ، فالأمر تتجاذبه أطراف مختلفة مؤثرة في الحكم ، فكان لا بد من الوقوف على هذه المؤثرات .
ونحن ننقل هنا فتاوى بعض الهيئات الشرعية المتخصصة في بحث هذه الأمور النوازل :
1. قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة .
" الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أمَّا بعد :
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة ، المنعقدة بمبنى " رابطة العالم الإسلامي " في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ ، قد نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية : هل هي حقوق ثابتة مملوكة لأصحابها ، وهل يجوز شرعاً الاعتياض عنها ، والتعاقد مع الناشرين عليها ، وهل يجوز لأحدٍ غير المؤلف أن ينشر كتبه وبحوثه ويبيعها دون إذنه ، على أنَّها مباحة لكلِّ أحدٍ ، أو لا يجوز ؟
وعرض على المجلس التقارير والدراسات التي هيأها في هذا الشأن بعض أعضاء المجلس ، وناقش المجلس أيضاً رأي بعض الباحثين المعاصرين ، من أنَّ المؤلِّف ليس له حقٌّ مالي مشروع فيما يؤلِّفه أو ينشره من كتب علمية ، بحجَّة أنَّ العلم لا يجوز شرعاً حجره عن الناس ، بل يجب على العلماء بذله ، ومن كتم علماً ألْجَمَهُ الله تعالى يوم القيامة بلجام من نارٍ ، فلكلِّ من وصل إلى يده بطريق مشروع نسخة من كتابٍ لأحد المؤلفين ، أن ينسخه كتابةً ، وأن ينشره ويتاجر بتمويل نشره ، وبيع نسخه كما يشاء ، وليس للمؤلف حقُّ منعه .
ونظر المجلس في الرأي المقابل ، وما نشر فيه عن حقوق الابتكار ، وما يسمى الملكية الأدبية والملكية الصناعية ، من أنَّ كل مؤلِّف لكتاب أو بحث أو عمل فنيٍّ أو مخترعٍ لآلة نافعة له الحق وحده في استثمار مؤلَّفه أو اختراعه ، نشراً وإنتاجاً وبيعاً ، وأن يتنازل عنه لمن شاء بعوض أو غيره ، وبالشروط التي يوافق عليها ، وليس لأحدٍ أن ينشر الكتاب المؤلَّف أو البحث المكتوب بدون إذن صاحبه ، ولا أن يُقَلِّد الاختراع ويتاجر به دون رضى مخترعه .
وانتهى المجلس بعد المناقشة المستفيضة إلى القرار التالي :
أولاً : إنَّ الكتب والبحوث قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلَّفة من النسخ ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلاَّ الاستنساخ باليد ، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتابٍ كبير ليخرج منه نسخة واحدة ، كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلِّف حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدَّة نسخ لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلِّف الأصلية معرَّضاً للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية ، فلم يكن نسخ الكتاب عدواناً على المؤلِّف ، واستثماراً من الناسخ لجهود غيره وعلمه ، بل بالعكس ، كان خدمة له ، وشهرة لعلمه ، وجهوده .
ثانياً : أمَّا بعد ظهور المطابع فقد أصبح الأمر معكوساً تماماً ، فقد يقضي المؤلِّف معظم عمره في تأليف كتاب نافعٍ ، وينشره ليبيعه ، فيأخذ شخصٌ آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعاً وتصويراً ، ويبيعه مزاحماً مؤلِّفَهُ ومنافساً له ، أو يوزِّعه مجاناً ليكسب بتوزيعه شهرة ، فيضيع تعب المؤلِّف وجهوده ، ومثل ذلك يقال في المخترع .
وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع ، حيث يرون أنَّ جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت الميدان ، ويتاجر بها منافساً لهم من لم يبذل شيئاً مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار .
فقد تغيَّر الوضع بتغيُّر الزمن وظهور المستجدات فيه ، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار ، مما يوجب نظراً جديداً يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقَّه .
فيجب أن يعتبر للمؤلِّف والمُخْتَرِعِ حقٌّ فيما ألَّف أو ابتكر ، وهذا الحقُّ هو ملك له شرعاً ، لا يجوز لأحدٍ أن يسطو عليه دون إذنه ، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعاً ، أو بدعة أو أيِّ ضلالة تنافي شريعة الإسلام ، وإلاَّ فإنَّه حينئذٍ يجب إتلافه ، ولا يجوز نشره .
وكذلك ليس للناشر الذي يتَّفق معه المؤلِّف ولا لغيره تعديل شيءٍ في مضمون الكتاب ، أو تغيير شيءٍ دون موافقة المؤلِّف ، وهذا الحقُّ يورَث عن صاحبه ، ويتقيَّد بما تقيِّده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة ، والتي تنظِّم هذا الحق وتحدِّده بعد وفاة صاحبه تنظيماً وجمعاً بين حقِّه الخاصِّ والحقِّ العامِّ ؛ لأنَّ كل مؤلِّف أو مخترعٍ يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه ، ولو في المعلومات العامة ، والوسائل القائمة قبله .
أمَّا المؤلِّف أو المخترع الذي يكون مستأجراً من إحدى دور النشر ليؤلِّف لها كتاباً ، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئاً لغاية ما : فإنَّ ما ينتجه يكون من حقِّ الجهة المستأجرة له ، ويتبع في حقِّه الشروط المتَّفق عليها بينهما ، مما تقبله قواعد التعاقد .
والله ولي التوفيق ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه " انتهى .
نقلا عن " فقه النوازل " للدكتور محمد بن حسين الجيزاني ( 3 / 127 – 129 ) .
2. قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة ، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي .
جاء في " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي " ( 94 ) ما يلي :
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت ، من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ ( الموافق 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م ، بعد اطلاعه على البحوث المقدَّمة من الأعضاء والخبراء في موضوع ( الحقوق المعنوية ) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله ، قرَّر ما يلي :
أولاً : الاسم التجاري ، والعنوان التجاري ، والعلامة التجارية ، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصَّةٌ لأصحابها ، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموُّل الناس لها ، وهذه الحقوق يعتدُّ بها شرعاً ، فلا يجوز الاعتداء عليها .
ثانياً : يجوز التصرُّف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ، ونقل أيٍّ منها بعوض ماليٍّ إذا انتفى الغرر والتدليس والغش ، باعتبار أنَّ ذلك أصبح حقَّاً ماليّاً .
ثالثاً : حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً ، ولأصحابها حقُّ التصرُّف فيها ، ولا يجوز الاعتداء عليها ، والله أعلم " انتهى .
3. قرار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية .
سئل علماء " اللجنة الدائمة " ( 13 / 188 ) ما يلي :
أعمل في مجال الحاسب الآلي ، ومنذ أن بدأت العمل في هذا المجال أقوم بنسخ البرامج للعمل عليها ، ويتم ذلك دون أن أشتري النسخ الأصلية لهذه البرامج ، علمًا بأنه توجد على هذه البرامج عبارات تحذيرية من النسخ ، مؤداها : أن حقوق النسخ محفوظة ، تشبه عبارة ( حقوق الطبع محفوظة ) الموجودة على بعض الكتب ، وقد يكون صاحب البرنامج مسلمًا أو كافرًا ، وسؤالي هو : هل يجوز النسخ بهذه الطريقة أم لا ؟ .
فأجابوا :
" لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها ، إلا بإذنهم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على شروطهم ) ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من سبق إلى مباح فهو أحق به ) ، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلماً أو كافراً غير حربي ؛ لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم ، وبالله التوفيق " انتهى .
وبناء على ما سبق فلا يجوز لأحد أن ينسخ شيئاً مما حُفظت حقوق نسخه لأصحابه ، كما لا يجوز شراء شيء مما نُسخ من هذه البرامج من غير إذن أصحابها ، ومع سهولة وسائل الاتصال اليوم لم يعد هناك ما يصعب تحصيله وشراؤه ، فالبرامج الأصلية موجودة ولا بد في الوكالات الرسمية لأصحاب تلك الشركات ، كما أنها موجودة في مواقع الشركات نفسها على الإنترنت ، ويمكن بكل سهولة شراؤها وتحصيلها من تلك الأماكن .
ثانياً :
يرى بعض علمائنا المحققين حرمة هذا الأمر إذا كان بقصد التجارة ، وأما من اقتنى نسخة لنفسه : فالأمر جائز ، وهو قول وسط بين المانعين بالكلية ، والمبيحين بالكلية .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 21927 ) إجابة مختصرة لهذه المسألة عن الشيخ سعد الحميِّد ، فيها التفصيل التالي :
" نسخ كتاب أو قرص بغرض المتاجرة ومضارّة صاحبه الأصلي : لا يجوز ، أما إذا نسخ الإنسان نسخة واحدة لنفسه : فنرجو ألا يكون بذلك بأس ، وتركه أولى وأحسن " انتهى .
وهذه فتوى للشيخ ابن عثيمين موافقه لها :
السؤال : فضيلة الشيخ ! هل يجوز نسخ برامج الحاسب الآلي مع أن الشركات تمنع ذلك والنظام ؟ وهل يعتبر ذلك احتكاراً وهي تباع بأسعار غالية ، وإذا نسخت تباع بأسعار رخيصة ؟ .
فأجاب :
القرآن ؟ .
السائل : برامج الحاسب الآلي عموماً .
الشيخ : القرآن ؟ .
السائل : القرآن ، وغير القرآن ، والحديث ، وبرامج أخرى كثيرة .
الشيخ : يعني : ما سجل فيه ؟ .
السائل : ما سجل في الأقراص .
الشيخ : أما إذا كانت الدولة مانعة : فهذا لا يجوز ؛ لأن الله أمر بطاعة ولاة الأمور ، إلا في معصية الله ، والامتناع من تسجيلها ليس من معصية الله ، وأما من جهة الشركات : فالذي أرى أن الإنسان إذا نسخها لنفسه فقط : فلا بأس ، وأما إذا نسخها للتجارة : فهذا لا يجوز ؛ لأن فيه ضرراً على الآخرين ، يشبه البيع على بيع المسلم ؛ لأنهم إذا صاروا يبيعونه بمائة ونسختَه أنت وبعته بخمسين : هذا بيع على بيع أخيك .
السائل : وهل يجوز أن أشتريها بخمسين من أصحاب المحلات وهو منسوخ .
الشيخ : لا يجوز ، إلا إذا قدم لك أنه مأذون له ، وأما إذا لم يقدم : فهذا تشجيع على الإثم والعدوان .
السائل : إذا لم يؤذن له هو – جزاك الله خيراً – ؟ .
الشيخ : وإذا كنت أيضاً لا تدري ، أحياناً الإنسان لا يدري يقف على هذا المعرض ويشتري وهو لا يدري ، هذا لا بأس به ، الذي لا يدري ليس عليه شيء .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 178 / السؤال رقم 6 ) .
ولمزيد من الفائدة راجع جواب السؤال رقم (52903) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة