هل يجوز أن يشتري الإنسان مساحة أرض ، حتى إذا مات يدفن فيها ؟.
هل يجوز أن تشتري أرضًا كي تدفن فيها حين تموت ؟
السؤال: 82184
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الحكم في ذلك تابع للمقصد الدافع لشراء الأرض وتخصيصها للدفن فيها :
فإن كانت إنما تريد تهيئة مدفن كريم لها ، لما تراه من امتهان المقبرة التي في بلدتها ، أو لما تراه من دفن جماعي في مكان واحد – كما يحصل في بعض الدول الإسلامية – ، أو كانت تريد وقف الأرض للدفن فيها ، لها ولغيرها من الناس ، ونحو ذلك من الأعذار والمقاصد الشرعية ، فحينئذ لا حرج عليها في شراء قطعة الأرض هذه ، والوصية بالدفن فيها ، فإن مقصدها معتبر شرعا ، والقاعدة الفقهية تقول : ( الأمور بمقاصدها ) .
قال الإمام أحمد رحمه الله : ” لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره ، ويوصي أن يدفن فيه ، فعل ذلك عثمان بن عفان ، وعائشة ، وعمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنهم ” .
[ المغني 3/443 ] ، وانظر : أحكام المقابر في الشريعة ، د عبد الله السحيباني (23-28).
فإن لم يكن لها أي مقصد من الأمور السابقة ، وإنما أرادت أن تتميز بقبرها ، وتختص بمكانها دون الناس ، فهذا مقصد غير معتبر شرعا ، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على شرعية مثل هذا الفعل ، بل جاء في مقاصد الشريعة وكلام أهل العلم ما يدل على كراهته ، ومن ذلك:
1- أن الفقهاء نصوا على استحباب الدفن في المقابر العامة ، كي يصيب الميت من دعاء زوارها من المؤمنين ، وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كان يدفن من مات من أصحابه في مقبرة البقيع .
جاء في الموسوعة الفقهية (21/9) :
” المقبرة أفضل مكان للدفن ، وذلك للاتباع ، ولنيل دعاء الطارقين ، وفي أفضل مقبرة بالبلد أولى ، ويكره الدفن في الدار ولو كان الميت صغيرا ، وقال ابن عابدين : وكذلك الدفن في مدفن خاص كما يفعله من يبني مدرسة ونحوها ، ويبني له بقربه مدفنا ” انتهى .
انظر “رد المحتار” (2/235) ، “المجموع” (5/245) ، “مغني المحتاج” (2/52)
2- ثم إن الدفن في أرض يملكها المتوفى يضر الورثة ، حيث سيمنعهم ذلك من التصرف فيها ، وقد كان له في مقابر المسلمين كفاية .
جاء في كتاب “الفروع” لابن مفلح الحنبلي (2/278) :
” ولو وصى بدفنه في ملكه دُفِنَ مع المسلمين ؛ لأنه يضر الورثة “انتهى .
3- كما أن الوصية بالدفن في أرض خاصة قد تكون ذريعة فيما يستقبل من الزمان إلى العبث بهذا القبر ، فإن المقبرة العامة متميزة عند جميع الناس ، لا يمكن أن يعتدي عليها أحد بالبناء عليها أو الحفر ونحو ذلك ، فسيمنعه الناس كلهم من إيذاء أمواتهم ، أما الأرض الخاصة فإنها عرضة للتعدي ، وعرضة لأطماع الناس لأخذ الأرض ونبش القبر وغير ذلك .
4- الدفن في الأرض الخاصة قد يؤدي إلى تعظيم القبر وتقديسه ، فيظن الناس له خصوصية عن دون القبور ، أو أنه قبر أحد الأولياء ونحو ذلك ، فيرتكبون عنده أنواع الشرك أو التبرك المحرم ، وذلك بسبب التميز عن الناس بالمدفن .
5- وأخيرا يخشى أن يكون الباعث على الوصية بالمدفن الخاص هو الكبر والأنفة عن مساواة الناس في مدافنهم ، كما يظهر في قبور بعض الملوك والأمراء ، حيث يجعلون لأنفسهم مدافن خاصة ، ومعلوم أن الكبر من أعظم الذنوب ، والعادة أن الموت يكسر كل متكبر ومتجبر ، فلا ينبغي للمسلم أن يتشبه بالمتكبرين وعاداتهم .
يتبين مما سبق أن شراء أرض والوصية بالدفن فيها لغير مقصد شرعي خلاف الأولى ، وأن الأولى هو الدفن مع جماعة المسلمين ، والتعرض لبركة دعاء الصالحين من المسلمين .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “لقاء الباب المفتوح” (1/559) :
” لا يلزم تنفيذ الوصية إذا أوصى الميت أن لا يدفن إلا في مكان معين ، بل يدفن مع المسلمين ، إذ إن الأرض كلها سواء ، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا مات منهم ميت في أي مكان دفنوه ، فهذه الوصية لا يلزم تنفيذها ، لأنه ليس فيها مقصود شرعي ” انتهى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب