0 / 0

اقبل الهدية ولو كانت متواضعة

السؤال: 82461

إذا أهدى إلي شخص هدية ولم تعجبني ، فهل يجوز أن أردها له وأقول إنها لم تعجبني ، وإنها من نوعية أرخص مما نهديه عادة له ؟ علماً بأنه موسر ، ويمكنه أن يشتري هدية أغلى كثيرا من الهدية التي أهداها .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

التواضع من أحسن الخلال ، وأكرم الخصال ، وهو خلق الأنبياء والمرسلين ، وشيمة الأولياء والصالحين ، وذلك بلين الجانب للناس ، وخفض الجناح لهم ، والنزول عند حاجاتهم ورغباتهم .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُم أَخْلاَقًا ، المُوَطَّؤُونَ أَكنَافًا ، الذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤلَفُونَ ، وَلاَ خَيرَ فِي مَن لاَ يَألَفُ وَلاَ يُؤلَفُ )
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/268) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (751)
ومن أعظم سمات المتواضعين قبول الهدية مهما كان قدرها ، وعدم النظر إلى قيمتها وقدرة من أهدى على شراء أفضل منها ، بل ينبغي النظر إليها بعين الرضا والامتنان ، واستشعار أن الهدية الحقيقية هي المحبة الباعثة عليها وليست في قيمتها .
وهذا سيد البشر ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، على عظم قدره ، وجلالة شأنه ، كان يقبل الهدية ولو كانت كراعا أو شربة لبن .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لَو دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبتُ ، وَلَو أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ ) رواه البخاري (5178)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (9/245-246) :
" الكراع : هو مستدق الساق من الرِّجْلِ ، ومن حد الرسغ من اليد ، وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير ، وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب ، وقال ابن فارس : كراع كل شيء طرفه …
وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ، وتواضعه ، وجبره لقلوب الناس ، وعلى قبول الهدية ، وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ، ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل ، وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف وإجابة الدعوة لما قل أو كثر ، وقبول الهدية كذلك " انتهى .
وقال العيني رحمه الله "عمدة القاري" ( 13 / 128 ) :
" وقال ابن بطال : أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالكراع والفرسن إلى الحض على قبول الهدية ولو قلَّت ؛ لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدى إليه " انتهى .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيهَا ) رواه البخاري (2585)
بل كان قبول الهدية إحدى علامات نبوته لدى أهل الكتب السابقة ، حتى عرفه بها سلمان الفارسي رضي الله عنه في قصة إسلامه ، كما في "مسند" الإمام أحمد (5/441) ، وسبق ذكر القصة في موقعنا في جواب السؤال رقم (88651)
وقد أهدت أم الفضل للنبي صلى الله عليه وسلم شربة لبن فقبلها . كما في البخاري (1658) ومسلم (1123) ، وأهدى له أبو طلحة ورك أرنب فقبله . رواه البخاري (2572) ومسلم (1953) ، ولا تكاد تحصى المواقف التي قبل النبي صلى الله عليه وسلم فيها هدايا الناس ولو صغرت .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ :
( يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ ! لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ) رواه البخاري (2566) ومسلم (1030)
فرسن الشاة : حافرها.
قال ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/445) :
" وقال الكرماني : يحتمل أن يكون النهي للمعطية ، ويحتمل أن يكون للمُهدَى إليها .
قلت ( أي ابن حجر ) : ولا يتم حمله على المهدى إليها إلا بجعل اللام في قوله ( لجارتها ) بمعنى مِن ، ولا يمتنع حمله على المعنيين " انتهى .
بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن رد الهدية :
فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ )
رواه أحمد في "المسند" (1/404) وحسنه محققو المسند ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (6/59)
يقول ابن حبان في "روضة العقلاء" (242) :
" زجر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر عن ترك قبول الهدايا بين المسلمين ، فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها ، ثم يثيب عليها إذا قدر ، ويشكر عنها " انتهى .
فعليك أخي السائل الكريم أن تقبل الهدية ، ولا تنظر إلى قيمتها وقدرة المهدي على شراء أفضل منها ، فقد يكون غفل عن شراء أفضل منها أو ضاق عليه الوقت أو لم يوفق في الاختيار أو غير ذلك من الأعذار التي هي من شأنه ، وليس من شأنك أن تبحث عنها ، واقتد في ذلك بنبيك الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android