0 / 0

السنة أن يسنّم القبر ويرفع قدر شبر

السؤال: 83133

قرأت الحديث عن تسوية القبور المرتفعة المروي عن علي (رضي الله عنه). وقد كان قبر جدتي مرتفعاً بقدر أربعة أقدام تقريباً ، ومبنيا من الرخام . وقد هدمت الجزء العلوي من القبر وجعلته منخفضاً – اتباعاً للسنة .
وبعد ذلك صادف أن قرأت الإجابة عن السؤال رقم 8991 في هذا الموقع والذي يتضمن عبارة: ” ومِن رفع القبور الداخل تحت الحديث: القُبب والمشاهد المبنية على القبور، واتخاذ القبور مساجد…” .
والآن أشعر بالقلق أنني ربما فعلت شيئاً فيه امتهان للقبر أو لروح جدتي ؟!!
ثانياً، كبار الأسرة يلعنوني بسبب ما فعلت . فهل ارتكبت خطأً ، وإذا كان كذلك فماذا ينبغي أن أفعل؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
السنة أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ، وأن يجعل مسنّما لا مسطحا ، في قول جمهور العلماء ؛ لما روى البخاري (1390) عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا.
وروى ابن حبان في صحيحه (6635) والبيهقي في السنن (6527) ـ حسنه الألباني ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلحد ، ونُصب عليه اللبن نصبا ، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر .

قال في “زاد المستقنع” : ” ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنما ” .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه “الشرح الممتع” (5/364) : ” أي السنة أن يرفع القبر عن الأرض ، وكما أنه سنة ، فإن الواقع يقتضيه ؛ لأن تراب القبر سوف يعاد إلى القبر ، ومعلوم أن الأرض قبل حرثها أشد التئاما مما إذا حرثت ، فلا بد أن يربو التراب .
وأيضا فإن مكان الميت كان بالأول ترابا ، والآن صار فضاء ، فهذا التراب الذي كان في مكان الميت في الأول سوف يكون فوقه …
واستثنى العلماء من هذه المسألة : إذا مات الإنسان في دار حرب ، أي : في دار الكفار المحاربين ، فإنه لا ينبغي أن يُرفع قبره ، بل يسوى بالأرض خوفا عليه من الأعداء أن ينبشوه ، ويمثلوا به ، وما أشبه ذلك .
وقوله : ” مسنما ” أي : يجعل كالسنام بحيث يكون وسطه بارزا على أطرافه ، وضد المسنم : المسطح الذي يجعل أعلاه كالسطح .
والدليل على هذا : أن هذا هو صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبري صاحبيه ” انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله :
” ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولبن ، ولا تشييدها ولا تطيينها ، ولا بناء القباب عليها ؛ فكل هذا بدعة مكروهة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم ….، وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة ، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه ؛ فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء ، لا مبني ولا مطين ، وهكذا كان قبر صاحبيه ، وكان يعلم قبر من يريد تعرف قبره بصخرة ” .
انتهى من زاد المعاد (1/524)
ثانيا :
أما ما رواه مسلم (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ).
فالمقصود بالتسوية هنا ، أي تسويته بسائر القبور ، وقد تقدم أنها تكون في حدود الشبر .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : ” فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنَّ الْقَبْر لَا يُرْفَع عَلَى الْأَرْض رَفْعًا كَثِيرًا , وَلَا يُسَنَّم , بَلْ يُرْفَع نَحْو شِبْر وَيُسَطَّح , وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ , وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْأَفْضَل عِنْدهمْ تَسْنِيمهَا وَهُوَ مَذْهَب مَالِك ” انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “القول المفيد شرح كتاب التوحيد” :
” قوله : ( ولا قبرا مشرفا ) : عاليا .
قوله : ( إلا سويته ) . له معنيان :
الأول : أي سويته بما حوله من القبور .
الثاني : جعلته حسنا على ما تقتضيه الشريعة ، قال تعالى : ( الذي خلق فسوى ) ( الأعلى : 2 ) أي : سوى خلقه أحسن ما يكون ، وهذا أحسن ، والمعنيان متقاربان .
والإشراف له وجوه :
الأول : أن يكون مشرفا بكبر الأعلام التي توضع عليه ، وتسمى عند الناس ( نصائل ) أو ( نصائب ) ، ونصائب أصح لغة من نصائل .
الثاني : أن يبنى عليه ، هذا من كبائر الذنوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن المتخذين عليه المساجد والسرج ) .
الثالث : أن تشرف بالتلوين ، وذلك بأن توضع على أعلامها ألوان مزخرفة .
الرابع : أن يرفع تراب القبر عما حوله ليكون ظاهرا .
فكل شي مشرف ، ظاهر على غيره متميز عن غيره يجب أن يسوى بغيره ، لئلا يؤدي ذلك إلى الغلو في القبور والشرك ” انتهى .
ثالثا :
قد تبين مما سبق أن بناء القبب والمشاهد على القبور ممنوع ، وهو ذريعة إلى تعظيمها والإشراك بها ، وكذلك رفع القبر أكثر من شبر تقريبا ، ممنوع أيضا .
قال الشوكاني رحمه الله :
” ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث [ يعني حديث علي السابق ] دخولا أوليا : القبب والمشاهد المعمورة على القبور ، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعل ذلك …
وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام ؛ منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام ، وعظُم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب ، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم ، وشدوا إليها الرحال ، وتمسحوا بها واستغاثوا ؛ وبالجملة إنهم لم يَدَعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون !!
ومع هذا المنكر الشنيع ، والكفر الفظيع ، لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف ، لا عالما ولا متعلما ، ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا ؟!!
وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء المقبوريين ، أو أكثرهم ، إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا ، فإذا قيل له بعد ذلك : احلف بشيخك ومعتقدك ، الولي الفلاني ، تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق ؟!!
وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة ؛ فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر ، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله ، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا :
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيا … ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفختَ بها أضاءت … ولكن أنت تنفخ في رماد ”
انتهى من نيل الأوطار (4/83-84) .

وبهذا تعلم أن ما قمت به من هدم الرخام ، وإزالة الجزء العلوي من القبر ، أمر حسن ، موافق للسنة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه من امتهان القبر أو صاحبه شيء ، بل الإكرام للقبر وصاحبه أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما ما ذكرته من أن كبار السن صاروا يلعنونك على ما فعلت فهذا عدوان وظلم منهم ، واصبر على ما أصابك من أجل ما قمت به من الطاعة ؛ فهكذا حال من يأمر الناس بمعروف أو ينهاهم عن منكر . قال الله تعالى ، فيما حكى لنا من وصايا لقمان الحكيم لابنه : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)
لكن يجب أن يراعى في ذلك عدم حدوث مفسدة أعظم ؛ فإن شرط إنكار المنكر ألا يخلفه ما هو أنكر منه .
ولهذا إذا غلب على ظن الإنسان أنه لو سوّى القبر ، حدث بسبب ذلك فتنة في بلده أو قومه ، أو ناله أذى من سجن أو ضرب ، فإنه يسعه السكوت حينئذ ، وقد يحرم عليه الإنكار إذا عظمت المفسدة ، أو كانت تلحق غيره من أخ أو قريب .

والله أعلم .

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android