نشكو في مساجدنا بانحراف كبير عن القبلة. فتجد في أغلب الأحيان أن الإمام يستقبل القبلة أو جهتها والمصلين منحرفون عنه وقد يصل هذا الانحراف إلى أربعين درجة. وإذا سألنا عن ذلك الأئمة أجابونا أنه يكفي أن يستقبل الإمام القبلة لتكون الصلاة صحيحة أو يكفي أن نصلي إلى جهة القبلة. فنرجو من سماحتكم أن تجيبوا عن هذه المسألة بشيء من التفصيل فإن هذه المسألة تقلقنا كثيرا في بلادنا وأصبحت مصدرا للفتنة. وهل يجوز أن أنحرف على الصف لأكون في نفس الاتجاه مع الإمام والقبلة ؟
إذا انحرف المأمومون عن الإمام بنحو أربعين درجة
السؤال: 85066
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الواجب على من كان بعيدا عن الكعبة أن يستقبل جهتها ، في قول جمهور العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (1/262) : “استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة , ولا فرق بين الفريضة والنافلة ; لأنه شرط للصلاة , فاستوى فيه الفرض والنفل , كالطهارة ، ولأن قوله تعالى : (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) عام فيهما جميعا . ثم إن كان معاينا للكعبة , ففرضه الصلاة إلى عينها . لا نعلم فيه خلافا . قال ابن عقيل ; إن خرج بعضه عن مسامتة (مواجهة) الكعبة لم تصح صلاته .
إلى أن قال : ” والواجب على سائر من بعد من مكة طلب جهة الكعبة , دون إصابة العين .
قال أحمد : ما بين المشرق والمغرب قبلة , فإن انحرف عن القبلة قليلا لم يُعِدْ , ولكن يتحرى الوسط . وبهذا قال أبو حنيفة .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (ما بين المشرق والمغرب قبلة) . رواه الترمذي , وقال : حديث حسن صحيح . وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة” انتهى بتصرف واختصار .
وفي موطأ الإمام مالك (460) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا تُوجِّه قِبل البيت) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “شرح العمدة” (2/539): “وروى الأثرم عن عمر وعلي وابن عباس أنهم قالوا : (ما بين المشرق والمغرب قبلة) ، وعن عثمان أنه قال: (كيف يخطئ الرجل الصلاة وما بين المشرق والمغرب قبلة ما لم يتحر المشرق عمدا)” انتهى .
ثانيا :
يلزم الإمام والمأمومين استقبال جهة الكعبة ، وتحري ذلك ، ولا يكفي أن يتجه الإمام وحده .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : في وطننا مساجد متعددة انحرفت محاريبها إلى اليمين، وسبب ذلك أن بعض الناس ظنوا أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (مابين المشرق والمغرب قبلة) . وعليه فهل يكفي أن يتجه الإمام إلى جهة القبلة وحده دون المأمومين ؟
فأجابوا : “الواجب على الإمام والمأموم استقبال جهة الكعبة، لقول الله سبحانه : (وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) ولقوله صلى الله عليه وسلم : (مابين المشرق والمغرب قبلة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح . وهذا خطاب لأهل المدينة ونحوهم ممن هو في شمال الكعبة أو جنوبها، وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة .
وأما من كان عن الكعبة غربا أو شرقا فإن القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب، ولأنه لو كان الغرض إصابة العين على من بعد عن الكعبة لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة، فإنه لايتأتى أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف أكثر من قدر الكعبة ” انتهى .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (6/316) .
لكن إذا استقبل الجميع جهة الكعبة ، وانحرف المأمومون عن الإمام ، يمينا أو شمالا ، مع حصول استقبال الجهة ، صح ائتمامهم به .
قال ابن قدامة في “المغني” (1/267): ” فأما إن كان أحدهما يميل يميناً ويميل الآخر شمالاً مع اتفاقهما في الجهة فلا يختلف المذهب في أن لأحدهما الائتمام بصاحبه، لأن الواجب استقبال الجهة وقد اتفقا عليها” انتهى .
والانحراف عن القبلة 40 درجة لا يضر باستقبال الجهة ، فتصح الصلاة مع هذا الانحراف ، ولكن الذي ينبغي لأهل كل مسجد أن يتحروا جهة القبلة بدقة ، ويقف جميع المصلين (الإمام والمأمومون) مستقبلين الجهة ، ويتحروا الوسط ، كما سبق في كلام ابن قدامة رحمه الله .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب