هل يجوز لي مقاطعه أحد الأرحام بسبب تعامله بالربا ، ويبيع أراضي لليهود ، ومطعمه حرام ؟ وهل يجوز طرح السلام عليه ؟ .
هل يقاطع رحِمه الذين يعملون المعاصي ؟
السؤال: 89601
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
أوجب الله صلة الأرحام وحرَّم قطيعتها ، قال تعالى : ( وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ) النساء/36 ، وقال تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) الروم/38 ، وقال تعالى : ( وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) النساء/1 .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وهي توجب صلة الأرحام ، وتُحرِّم قطيعتها ، وقد لعن الله قاطع الرحم ؛ قال تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) محمد/22،23 .
فقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب بلا خلاف يُعلم .
ثانياً :
الهجر للمسلم إما أن يكون على أمرٍ من أمور الدنيا ، كالشجار بسبب الأولاد ، وإما أن يكون بسبب أمرٍ شرعي ، كفعل بدعة أو ارتكاب معصية .
فإن كان بسبب أمرٍ دنيوي ، فلا يحل الهجر لأكثر من ثلاثة أيام ، مع أنه ممنوع أصلاً ، وإن كان بسببٍ شرعي فيجوز البقاء على الهجر لأكثر من ذلك ، حتى يدع بدعته أو يتوب من معصيته .
وقد يكون الهجر بسبب البدعة أو المعصية ، سبباً في أن يزيد المهجور في بدعه ومعاصيه ، ولا يحقق المصلحة في الهجر ؛ فحينئذٍ لا يجوز الهجر ؛ لأن الهجر شرع لغاية التأديب والتنفير عن الاستمرار في المخالفة للشرع ، فإذا لم يحقق مقصوده فلا يهجر ، بل يسلك طرقاً أخرى في الإنكار ، كالترغيب والترهيب والموعظة الحسنة أو الهدية ، وغير ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
“وأما هجر التعزير فمثل هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه الثلاثة الذين خُلِّفوا ، وهجر عمر والمسلمين لصبيغ ، فهذا من نوع العقوبات ، فإذا كان يحصل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر : فهي [ يعني : عقوبة الهجر ] مشروعة ، وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد على فساد الذنب ، فليست مشروعة” .
” مجموع الفتاوى ” ( 28 / 216 ، 217 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وقد سئل عن الموقف ممن يفعل بعض الكبائر – :
“من يتهم بهذه المعاصي تجب نصيحته وتحذيره منها ومن عواقبها السيئة ، وأنها من أسباب مرض القلوب وقسوتها وموتها ، أما من أظهرها وجاهر بها : فالواجب أن يُقام عليه حدُّها ، وأن يُرفع أمره إلى ولاة الأمور ، ولا تجوز صحبتهم ، ولا مجالستهم ، بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمنُّ عليهم بالتوبة ، إلا أن يكون الهجر يزيدهم شرّاً : فالواجب الإنكار عليهم دائماً بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله ، ولا يجوز اتخاذهم أصحاباً ، بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة” .
” فتاوى إسلامية ” ( 4 / 520 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
“فإن كان في الهجر مصلحة أو زوال مفسدة بحيث يكون رادعاً لغير العاصي عن المعصية ، أو موجباً لإقلاع العاصي عن معصيته ، كان الهجر حينئذٍ جائزاً ، بل مطلوباً طلباً لازماً ، أو مرغباً فيه ، حسب عظم المعصية التي هجر من أجلها… .
أما اليوم فإن كثيراً من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلاّ مكابرة وتمادياً في معصيتهم ، ونفوراً وتنفيراً عن أهل العلم والإيمان ؛ فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم .
وعلى هذا فنقول :
الهجر دواء يستعمل حيث كان فيه الشفاء ، وأما إذا لم يكن فيه شفاء ، أو كان فيه إشفاء – وهو الهلاك – : فلا يستعمل .
فأحوال الهجر ثلاث :
إما أن تترجح مصلحته : فيكون مطلوباً .
وإما أن تترجح مفسدته : فينهى عنه بلا شك .
وإما أن لا يترجح هذا ولا هذا : فالأقرب النهي عنه ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة )” .
” مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” ( 3 / السؤال رقم 385 ) .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – :
“هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا ، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه ، ومع أنه لا ينبغي ابتداءاً أن يهجر على أمر من أمور الدنيا ، ولكن لو حصل شيء من الهجر : فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام ، وهذا هو المراد بالحديث : ( لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث ) يعني : إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا .
أما إذا كان الهجر لأجل معصية ارتكبها ذلك المهجور ، وكانت هذه المعصية من كبائر الذنوب ، ولم يتركها : فإنه يجب مناصحته وتخويفه بالله عز وجل ، وإذا لم يمتنع عن فعل المعصية ولم يتب : فإنه يُهجَر ؛ لأن في الهجر تعزيراً له وردعًا له لعله يتوب ؛ إلا إذا كان في هجره محذور ؛ بأن يُخشى أن يزيدَ في المعصية وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر ؛ فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة ؛ فهجر العاصي إنما يجوز إذا كان من ورائه مصلحة ولا يترتب عليه مضرة أكبر” .
” المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان ” ( 1 / 273 ، 274 ) .
ثالثاً :
حكم السلام على صاحب البدعة والمعصية حكم الهجر ، والأمر يدور على المصلحة وانتفاع المهجور ، فإن كان الهجر يحدث فيه تغييراً للأفضل ، فيُلحق السلامُ بالهجر فلا يسلَّم عليه ، فإن كان الهجر غير مؤثر فيه : تُرك الهجر وتُرك الامتناع عن السلام .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
الهجر إذا كان فيه مصلحة بالنسبة للفاسق : فاهجره ، وإلا لا تهجره ، لو مررت بشخصٍ يشرب الدخان – والدخان معصية وحرام ، والإصرار عليه ينزل صاحبه من مرتبة العدالة إلى مرتبة الفسوق – : سلِّم عليه إذا رأيت أن هجره لا يفيد ، سلِّم عليه ربما إذا سلمتَ عليه ووقفت معه وحدثته بأن هذا حرام ، وأنه لا يليق بك : ربما يمتثل ويطفئ السيجارة ولا يعود ، لكن لو أنك لم تسلِّم عليه ، كبر ذلك في نفسه وكرهك وكره ما تأتي به من نصيحة ، حتى لو أصر على المعصية : سلِّم عليه وانصحه .
” لقاءات الباب المفتوح ” ( 165 / السؤال رقم 8 ) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب