كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين ؟
السؤال: 89609
أنا حفيدة لجد مات ، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء : توفي جدي والد أبي ، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة ، فمرة نراه محروقا ، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه ، وهكذا ، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله ، وأن هذا اليتيم لا يعلم ، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره ، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن ، كما أن جدي هذا وأخاً له – وقد مات أيضا – لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم ، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث ، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات ، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد ، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد ، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين ، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس ، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية ، ويسكنون في المدن ، والبيوت أصبحت مهجورة ، والأراضي لم تعد تزرع ، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا ، فهذا جدنا ، ونحن الذين دائما نحلم به ، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة ؛ فجدي في عذاب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
من
أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل ، فهي
كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة ، وتفضي به إلى النار ،
نسأل الله السلامة والعافية .
ومن
أعظم الظلم والتعدي : أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء ، فقد خصهم الله
تعالى بمزيد عناية ، ومزيد تحذير من أكل أموالهم ، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم
سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم .
فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين ، حذر
من تجاوز هذه القسمة الشرعية ، فقال سبحانه : ( وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
) النساء/14
.
كما
عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر .
يقول الله تعالى : ( وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ
الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ
إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً )
النساء/2
.
ويقول عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً
إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )
النساء/10
.
وغصب الأرض من كبائر الذنوب ، وعقابه شديد ، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض
ليتيم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ
ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)
رواه البخاري (3198)
ومسلم (1610)
.
فالعجب – والله – ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات ، ثم تجده قد شغل
ذمته بحقوق الناس ، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة ، فلم تردعه
صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها ، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير
أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم .
وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله ؟!
أختنا :
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه
واقعاً فيه من العذاب ، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في
كتابه ، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم ، أن غصب الأرض ، وأكل أموال اليتامى ظلما
، والتعدي في قسمة المواريث ، كل ذل من كبائر الذنوب ، فإذا لم يتب الرجل منها قبل
موته ( ومن توبته : رد الحقوق إلى أهلها ) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى
، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم ، فإن فنيت
حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه ، ثم طرح في النار ، كما أخبر بذلك النبي صلى
الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس .
رواه مسلم (2581) .
وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي ، بل كان الواجب عليه أن
يخبره بحقيقة الأمر ، ويعطيه حقه كاملا .
قال الغزالي رحمه الله – في شروط التوبة من مظالم الناس – :
“وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له ، فالاستحلال المبهم لا يكفي ، وربما لو عرف
ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال ، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من
حسناته أو يحمله من سيئاته ”
انتهى
.
”
إحياء علوم الدين ” ( 4 / 47 ) .
وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء ، فلا تملكون له إلا أمرين :
الأول : الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه .
الثاني : رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه ، فإنَّ ردَّ
الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من
المظالم التي تحملها ، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا ، فالواجب دفع
حقهم إلى ورثتهم .
ثانيا :
وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها ، فإن لم يفعلوا
كانوا مغتصبين لهذه الحقوق ، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها ،
وقولهم : ” إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس ” قول عجيب منهم ، وهم يعلمون أنها ليست
أرضهم ولا أرض أبيهم ، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا : ( إننا سنستمر
غاصبين لأراضي الناس ) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما
يستوجبون به عذاب الله ، فإن عذاب الله شديد ، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة
في نار جهنم ، نسأل الله العافية .
ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟