0 / 0

أثر شيخ الإسلام ابن تيمية في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

السؤال: 89671

هل الشيخ ابن تيميه رحمه الله شيخ الإسلام هل كانت له علاقة بالحركة الوهابية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الحمد لِلَّه
أولا :
لا بد من التنبيه بداية على أن إطلاق اسم “الوهابية” على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إنما بدأه أعداء هذه الدعوة بقصد التنفير عنها وتحذير الناس منها ، يحاولون إظهارها مظهر الدعوة المنفردة بآرائها الشاذة ، المتحيزة إلى أفكار إمامها ، المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة .
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (2/255) :
” الوهابية : لفظة يطلقها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على دعوته إلى تجريد التوحيد من الشركيات ونبذ جميع الطرق إلا طريق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، ومرادهم من ذلك : تنفير الناس من دعوته ، وصدهم عما دعا إليه ، ولكن لم يضرها ذلك ، بل زادها انتشارًا في الآفاق وشوقًا إليها ممن وفقهم الله إلى زيادة البحث عن ماهية الدعوة وما ترمي إليه وما تستند عليه من أدلة الكتاب والسنة الصحيحة ، فاشتد تمسكهم بها ، وعضوا عليها ، وأخذوا يدعون الناس إليها ولله الحمد ” انتهى .
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله “البيان لأخطاء بعض الكتاب” (70) :
” فهذه التسمية خطأ من ناحية اللفظ ، ومن ناحية المعنى :
أما الخطأ من ناحية اللفظ ، فلأن الدعوة لم تنسب في هذا اللقب إلى من قام بها – وهو الشيخ محمد – ، وإنما نسبت إلى عبد الوهاب – الذي ليس له أي مجهود فيها – ، فهي نسبة على غير القياس العربي ، إذ النسبة الصحيحة أن يقال : ( الدعوة المحمدية ) .
لكن الخصوم أدركوا أن هذه النسبة نسبة حسنة لا تنفر عنها ، فاستبدلوها بتلك النسبة المزيفة.
وأما الخطأ من ناحية المعنى ، فلأن هذه الدعوة لم تخرج عن منهج مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم ، فكان الواجب أن يقال : الدعوة السلفية ؛ لأن القائم بها لم يبتدع فيها ما نسب إليه كما ابتدع دعاة النحل الضالة من الإسماعيلية والقرمطية ، إذ هذه النحل الضالة لو سميت سلفية لأبى الناس والتاريخ هذه التسمية ؛ لأنها خارجة عن مذهب السلف ، ابتدعتها من قام بها .
فالنسبة الصحيحة لفظًا ومعنى لدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب أن يقال ” الدعوة المحمدية ” ، أو ” الدعوة السلفية ” .
لكن لما كانت هذه النسبة تغيظ الأعداء حرفوها ، ولذلك لم تكن الوهابية معروفة عند أتباع الشيخ ، وإنما ينبزهم بها خصومهم ، بل ينبزون بها كل من دان بمذهب السلف ، حتى ولو كان في الهند أو مصر وإفريقية وغيرها ، والخصوم يريدون بهذا اللقب عزل الدعوة عن المنهج السليم , فقد أخرجوها من المذاهب الأربعة , وعدُّوها مذهبًا خامسًا ( حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) ” انتهى .
ثانيا :
كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر امتدادا لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية التي ظهرت في القرنين السابع والثامن .
وقد تأثر بها الإمام لموافقتها أصول الإسلام في العقائد والأحكام ، ومن هذه الأصول :
1- اعتماد القرآن الكريم والسنة الصحيحة مصادر التشريع الأولى .
2- الحرص على التمسك بمنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم .
3- الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك .
4- إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ما نفاه عن نفسه في باب الأسماء والصفات .
5- نبذ التعصب للأئمة المتبوعين والدعوة إلى اتباع الحق بالدليل .
6- الدعوة إلى السنة ومحاربة البدعة .
وقد كان الكتاب هو حلقة الوصل بين الإمامين ، فقد اعتنى الإمام محمد بن عبد الوهاب بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اعتناء بالغا .
يقول عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ “مشاهير علماء نجد وغيرهم” (18) :
” وقد كتب بخط يده كثيرا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ، لا يزال بعضها موجودا بالمتحف البريطاني بلندن ” انتهى .

ولقد أبرز الكتاب المسلمون وغيرهم من المستشرقين في كتاباتهم صلةَ الإمام ابن عبد الوهاب بدعوة شيخ الإسلام بأهمية بالغة .
ذكر العلامة الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في كتابه “الشيخ محمد بن عبد الوهاب” تصريحات كثير منهم :
قال عبد المتعال الصعيدي في كتابه “المجددون في الإسلام” :
” ..أخذ يدعو مثل ما دعا إليه ابن تيمية قبله ، من التوحيد بالعبادة لله وحده “
وقال الأمير شكيب أرسلان في الجزء الرابع من “حاضر العالم الإسلامي” تحت عنوان : “تاريخ نجد الحديث” :
” وتَشَرَّبَ مبادئ الحافظ حجة الإسلام ابن تيمية .. وأخذ يفكر في إعادة الإسلام لنقاوته الأولى.. ولا أظنه أورد ثمة شيئا غير ما أورده ابن تيمية ” انتهى .
وقال حافظ وهبة في كتابه “جزيرة العرب” :
” وتكاد تكون تعاليمهم مطابقة تمام المطابقة لما كتبه ابن تيمية وتلاميذه في كتبهم ، وإن كانوا يخالفونهم في مسائل معدودة في فروع الدين ” انتهى .
وقال منهج هارون في الرد على الكاتب الإنجليلزي ( كونت ويلز ) :
” ..كل ما قاله الشيخ ابن عبد الوهاب قال به غيره ممن سبقه من الأئمة والأعلام ومن الصحابة الكرام ، ولم يخرج في شيء عما قاله الإمام أحمد وابن تيمية رحمهما الله ” انتهى .
وقال محمد ضياء الدين الريس :
” ..وابن تيمية هو الأستاذ المباشر لابن عبد الوهاب ، وإن فصل بينهما أربعة قرون ، فقد قرأ كتبه ، وتأثر كل التأثر بتعاليمه ” انتهى .
وقال بروكلمان في “تاريخ الشعوب الإسلامية” :
” وفي بغداد درس محمد فقه أحمد بن حنبل ..ثم إنه درس مؤلفات أحمد ابن تيمية الذي كان قد أحيا في القرن الرابع عشر [ يقصد الميلادي ] تعاليم ابن حنبل ، والواقع أن دراسته لآراء هذين الإمامين انتهت به إلى الإيقان من أن الإسلام في شكله السائد في عصره ، وبخاصة بين الأتراك ، شُرِّبَ بالمساوئ التي لا تمت إلى الدين الصحيح بنسب ” انتهى .
وقال أحمد أمين :
” …اقتفى في دعوته وتعاليمه عالما كبيرا ظهر في القرن السابع الهجري في عهد السلطان الناصر ، هو ابن تيمية…وهو كان يقول بالاجتهاد ، وكان حر التفكير في حدود الكتاب والسنة..فيظهر أن محمد بن عبد الوهاب عرف ابن تيمية..فكان إمامه ، ومرشده ، وباعث تفكيره ، والموحي إليه بالاجتهاد ، والدعوة إلى الإصلاح ” انتهى .
انظر “أثر دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية في الحركات الإسلامية المعاصرة” (1/136-138) لصلاح الدين مقبول ، ومنه استفدت هذه النقول .
ثالثا :
ولكن ، ومع هذه الصلة القوية بين فكر الإمامين ، إلا أن الإمام محمد بن عبد الوهاب كان متبعا للدليل ولم يكن مقلدا للأشخاص ، فقد كان يدرك أن شيخ الإسلام ابن تيمية أحد أئمة الإسلام العظام ، إلا أن الخطأ جائز على جميع البشر ، ويدرك أن ابن تيمية رحمه الله لم يكن مستحدثا لدعوة مبتدعة غريبة عن الإسلام ، إنما كان متبعا نهج السلف الصالحين ، والاتِّبَاعُ يجب أن يكون للدليل وما أجمعت عليه الأئمة ، ولا ينبغي أن يقدس الإمام مهما بلغت رتبته في العلم ، بل كلٌّ يُؤخَذُ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول الشيخ الفوزان حفظه الله في “البيان بالدليل” (150) في الرد على دعوى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكن إلا نسخة مكررة من ابن تيمية :
” هكذا قال عن مرتبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمية : أنه لم يدرس إلا مؤلفات ابن تيمية ! وكأنه لم يقرأ ترجمة الشيخ وسيرته ، ولم يعرف شيئا عن تحصيله العلمي ، أو أنه عرف ذلك وكتمه بقصد التقليل من شأنه ، والتغرير بمن لم يعرف شيئا عن الشيخ .
ولكن هذا لا يستر الحقيقة ، ولا يحجب الشمس في رابعة النهار ، فقد كتب المنصفون عن الشيخ – رحمه الله – مؤلفات كثيرة انتشرت في الأقطار ، وعرفها الخاص والعام ، وأنه – رحمه الله – تعمق في دراسة الفقه والحديث والأصول وكتب العقيدة التي من جملتها مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وقد تخرج على أيدي علماء أفذاذ وأئمة كبار في مختلف الفنون في بلاد نجد والحجاز والإحساء والبصرة ، وقد أجازوه في مروياتهم وعلومهم ، وقد ناظر ودرس وأفتى وألف في الفقه والحديث والعقيدة حتى نال إعجاب من اجتمع به أو استمع إلى دروسه ومناظراته ، أو قرأ شيئا من مؤلفاته ، ومؤلفاته تدل على سعة أفقه وإدراكه في علوم الشريعة ، وسعة اطلاعه وفهمه ، ولم يقتصر فيما ذكر في تلك المؤلفات على كتب ابن تيمية – كما يظن الجاهل أو المتجاهل – بل كان ينقل آراء الأئمة الكبار في الفقه والتفسير والحديث ؛ مما يدل على تبحره في العلوم ، وعمق فهمه ، ونافذ بصيرته ، وها هي كتبه المطبوعه المتداولة شاهد بذلك والحمد لله ، ولم يكن رحمه الله يأخذ من آراء شيخ الإسلام ابن تيمية ولا من آراء غيره إلا ما ترجح لديه بالدليل ، بل لقد خالف شيخ الإسلام في بعض الآراء الفقهية ” انتهى .
وللفائدة يرجى مراجعة جواب السؤال رقم : (36616) ، (10867) ، (12203)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android