أبلغ من العمر 30 سنة ، دخلت الإسلام مند ست سنوات بعد صراع مرير مع الكفر ، فقد كنت أعيش في فرنسا ، وعدت إلى وطني عودة نهائية ، وفتحت مشروعاً صغيراً ، لم أوفق فيه ، فتراكم عليَّ من الديْن 25 ألف دولار ، ولم أستطع خلاصها ، فاقترح عليَّ البنك قرضاً على أن أسدده على ثلاث سنوات مع فائض 30 بالمائة ، فنصحني بعض الإخوة بالابتعاد عن الربا لما فيه من معصية لله سبحانه ، ولكن بعض رجال الدين قالوا : إذا كان للضرورة : فلا بأس بذلك ، فأنا اليوم مهدد بالسجن إن لم أقض ما عليَّ من ديْن ، أنا في حيرة من أمري ، إما أن أقبل بالقرض وإما أن أقضي تسع سنوات سجن ، مع أن الحكم صدر مند شهرين ولم يبق لي إلا شهر واحد ، فأرجو منك أن تفتني .
حكم عليه بالسجن فهل يأخذ قرضاً ربويّاً لينجو منه ؟
السؤال: 94823
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
بدايةً : نهنئك على دخول الإسلام ، ونسأل الله أن يثبتك على الحق ، وأن يزيدك هدى وتوفيقاً ، واعلم أن المسلم يبتلى ليُعلم صدقه من عدمه في استقامته على الدين ، ثم إن ابتلاءه يكفِّر الله به عنه سيئاته ، ويرفع به درجاته ، لكن لا بدَّ أن يحتسب مصيبته عند ربه ، فلا يضجر ، ولا يسخط ، بل يصبر ويحتسب .
وما أصابك من مصيبة في مالك إنما هو ابتلاء من ربك ، وما قد تكون تعرضت له من صد الناس عنك ، وعدم مساعدتهم لك إنما ابتلاء أيضاً ، فاصبر فإنك على الحق ، والزم طريق التقوى ؛ فإن الله تعالى قد وعد المتقين بأن يجعل لهم مخرجاً من ضيقهم ، ووعدهم بالرزق من فضله ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2-3 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق/4 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) الطلاق/5 .
ثانياً :
واعلم أن الربا من المحرَّمات القطعية في الشرع ، وهو من كبائر الذنوب .
وانظر جواب السؤال رقم ( 22339 ) ففيه بيان تحريم الربا .
ثالثاً :
واعلم أن المحرَّمات في الشريعة يجوز فعلها إذا كان المسلم معذوراً بالإكراه أو الاضطرار .
قال الله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة/173 ، وقال تعالى : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام/119 .
وننبه هنا إلى ثلاثة أمور :
الأول : أن الضرورة في باب الربا متعلقة بالمقترض ، لا بالمقرض ؛ إذ ليس هناك ما يجعل المقرض مضطراً لأن يقرِض بالربا ، بخلاف المحتاج للقرض فإنه قد تُغلق الأبواب في وجهه فلا يجد إلا باب القرض بفائدة ربوية .
وفي فتوى " مجمع البحوث الإسلامية " بالقاهرة في مؤتمره الثاني المنعقد في شهر محرم 1385 هـ ( مايو 1965م ) قالوا :
"والفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم ، لا فرق بين ما يسمَّى بالقرض الاستهلاكي ، وما يسمى بالقرض الإنتاجي ( الاستغلالي ) ، وكثير الربا في ذلك وقليله حرام ، والإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة ، والاقتراض بالربا كذلك ، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه ضرورة ، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير الضرورة" انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 167 ) :
أنه يجوز للمضطر أن يتعامل بالربا للضرورة ، "فيأثم المقرض دون المقترض" انتهى .
الثاني : أن المقترض بالربا لا بدَّ أن يكون الدافع لفعله المحرَّم هذا هو الضرورة ، وليست الحاجة التي يمكنه التخلي عنها ، وعدم فعلها ، والضرورة تتعلق بضرر يقع على دينه أو بدنه أو عقله أو عرضه أو ماله – وهي ما يسمى " الضرورات الخمس " – ، وليست هي المشقة التي يمكن تحملها ، بل هي الضرورة التي قد تسبب له هلاكاً ، أو تلفاً لبعض أعضائه ، أو سجناً طويلاً ، أو مرضاً مزمناً .
قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله :
فالضرورة : بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل ، واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات ، أو تلف منه عضو ، وهذا يبيح تناول المحرم .
والحاجة : كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك ، غير أنه يكون في جهد ومشقة ، وهذا لا يبيح المحرَّم .
" المنثور في القواعد " ( 2 / 319 ) .
وفي " نظرية الضرورة الشرعية " ( ص 67 ، 68 ) :
"الضرورة : هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر ، أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام ، أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع " انتهى .
الثالث : يجب أن يكون الضرر الذي سيلحقك في حال عدم الدفع يقينيّاً أو بغلبة الظن ، ولا ينبغي أن يكون خياليّاً أو متوهماً .
وقد توسَّع كثيرون في أمر القرض بالربا ، فجعلوا شراء بيتٍ ، أو سيارة ، أو تغيير أثاث البيت ، أو شراء جهاز خلوي من الضرورات ، فتعاملوا مع مؤسسات الربا بمثل هذا العذر ، وقد وجدوا من يفتي لهم في بعض تلك الأشياء !
كما لم يفهم كثيرون معنى الضرورة ، فراحوا يبحثون عن البنوك والمؤسسات الربوية من أجل الاقتراض بفائدة ربوية ، دون أن يكون منهم بحث عن طرق مباحة يتحصلون فيها على الأموال اللازمة ، ومن الطرق التي أباحتها الشريعة في الحصول على المال لعادمه : العمل المباح ، والاستدانة من شخص دون ربا ، وشراء سلعة بالأقساط وبيعها نقداً ، وليُعلم أن كثيراً من هؤلاء قد يكون لهم الحق في الزكاة ، فلا بأس من طلبهم ذلك من المؤسسات التي تقوم على جمع زكاة المسلمين .
والذي نراه في مسألتك : أنه إن أمكنك الحصول على المال بالطرق الشرعية المباحة : فلستَ معذوراً بأخذ قرضٍ ربوي ، وإن كنتَ تستطيع تقسيط المبلغ الذي عليك : فلستَ معذوراً أيضاً ، فإن لم يمكنك الحصول على المال بطريق مباح وكان يترتب على عدم دفعك للمبلغ ، دخولك السجن فنرجو أن تكون من المعذورين المضطرين للتعامل بالربا ، ولا إثم عليك ، وإنما الإثم على من أقرضك بالربا ، وعلى من علم بحالك ولم يساعدك مع استطاعته .
ويجب أن تعلم أن العلماء يقولون " إن الضرورة تقدَّر بقدرها " ، ومعنى ذلك – في حالتك -: أنه لا يجوز لك أن تأخذ من البنك إلا القدر الذي به تسلم من الضرر والأذى ، ولا يجوز لك الزيادة عليه ، كما ننبهك إلى أنك إن وجدت مالاً بعد ذلك فيجب عليك أن تسارع في سداد البنك إن كنت بذلك تتخلص من الفوائد الربوية كلها أو بعضها .
ونسأل الله تعالى أن يرزقك التقوى والعمل الصالح ، وأن يغنيك من فضله ، وأن ينجيك من الآثام ، وأن يثبتك على الحق ، وأن يزيدك هدى وتوفيقاً .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة