لدي صندوق صدقة في منزلي ، وأتصدق فيه كل يوم تقريباً – ولله الحمد – ، وعندما أضع فيه الصدقة أدعو ربي بما أريد ، ثم أضعها ؛ فهل تُحسب لي في الوقت الذي أتصدق فيه ، أم عندما أُخرج الصندوق بأكمله للفقراء – علماً بأنني أستعين بالصدقة على تيسير أموري كلها – ؟ .
هل يكتب أجر الصدقة بمجرد وضعها في الصندوق أم بوصولها للمستحق ؟
السؤال: 98634
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
نسأل الله أن يتقبل منك صدقاتك ، وأن يجزيك أعظم الجزاء ، وقد أحسنتَ صنعاً إذ فعلتَ هذا ، ولعلك أن يكون لك مثل أجور من فعل مثل فعلك .
وبذل الصدقات من أعظم ما يتقرب به العبد لربه عز وجل ، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم : (36783) طائفة من النصوص في بيان فضل التصدق ، والصدقة لغة : مأخوذة من الصِّدق ؛ إذ هي دليل على صِدق مخرجها في إيمانه .
انظر : ” فتح القدير ” ( 2 / 399 ) .
وننبه هنا إلى أمرين مهمين :
1. أن من الصدقات ما هو واجب ، وليست كلها نفلاً .
2. أن الصدقة ليست بالمال وحده ، بل ” كل معروف صدقة ” – كما رواه البخاري (5675) – ، فالتسبيحة صدقة ، والتهليلة صدقة ، والأمر بالمعروف صدقة .
ويجمع هذين الأمرين هذين الحديثين :
أ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ : كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ ، وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ) .
رواه البخاري ( 2827 ) ومسلم ( 1009 ) .
ب. عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى ) .
رواه مسلم ( 720 ) .
( سُلامى ) : عظام البدن ومفاصله .
ثانياً:
الصندوق الذي توضع فيه الصدقات في المنزل له حالان :
الحال الأولى : أن يكون في مكانٍ بارز ، تضع فيه صدقاتك ، ويضع فيه غيرك من ضيوفك ، وأقربائك .
والحال الثانية : أن يكون الصندوق مختصاً بك ، تضع فيه وحدك المال .
وفي الحال الأولى : يكون لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق ، ويكون المال قد خرج من ملكك ، ولا يحل لك الرجوع في صدقتك ، والمال الذي يضعه الآخرون تكون مؤتمناً عليه ، إلى حين صرفه في جهاته الشرعية .
وفي الحال الثانية : لا يظهر أنه يُكتب لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال في الصندوق ، بل إذا قبضه من دُفع المال له من المستحقين : كُتب لك أجر الصدقة ، وليس لك أجر الصدقة بمجرد وضعك المال فيه ؛ لأنه لم يخرج عن ملكك ، ولك أن تفتح الصندوق ، وتأخذ ذلك المال إن احتجت إليه ، وإن كان المستحب لك أن لا ترجع في ذلك المال .
قال ابن قدامة – رحمه الله – بعد أن نسب ذلك لأكثر الفقهاء – :
ولنا : إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فإن ما قلناه مروي عن أبي بكر ، وعمر ، رضي الله عنهما ، ولم يُعرف لهما في الصحابة مخالف ، فروى عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن أبا بكر رضي الله عنه نحَلها – أي : أهداها – جذاذ – أي : حصاد – عشرين وِسقا من ماله بـ ” العالية ” ، فلما مرض قال : يا بنية ! ما أحد أحب إليَّ غنىً بعدي منك ، ولا أحد أعز عليَّ فقراً منك ، وكنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت أنك حزتيه أو قبضتيه ، وهو اليوم مال الوارث : أخواك وأختك ، فاقتسموا على كتاب الله عز وجل .
وروى ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ : أن عمر بن الخطاب قال : ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات أحدهم قال : مالي ، وفي يدي ! وإذا مات هو قال : كنت نحلته ولدي ؟ لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد ، فإن مات ورثه ، قال المروذي : اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة .
” المغني ” ( 6 / 273 ) .
وقال النووي – رحمه الله – :
مَن دفع إلى وكليه ، أو ولده ، أو غلامه ، أو غيرهم شيئاً يعطيه لسائل ، أو غيره صدقةَ تطوع : لم يزل ملكه عنه حتى يقبضه المبعوث إليه ، فإن لم يتفق دفعه إلى ذلك المعين : استُحب له أن لا يعود فيه ، بل يتصدق به على غيره ، فإن استرده وتصرف فيه : جاز ؛ لأنه باق على ملكه .
” المجموع ” ( 6 / 241 ) .
وروي عن الإمام أحمد رحمه الله أن المال في مثل هذه الحال يخرج من ملكه ، ولا يسعه الرجوع فيه ، والظاهر أن ذلك محمول على الاستحباب لا الوجوب .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – :
وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهَا الْمَالِكُ – يعني : الصدقة – مِنْ مَالِهِ ، وَأَفْرَدَهَا : فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ صَدَقَةً ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِدُونِ قَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ قَبُولِهِ .
وَنُقِلَ عَنْهُ – يعني : عن الإمام أحمد – مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : كُلُّ شَيْءٍ جَعَلَهُ الرَّجُلُ لِلَّهِ يُمْضِيهِ وَلَا يَرْجِعُ فِي مَالِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَيْسَ هُوَ لَهُ ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَمْضَاهُ .
” القواعد الفقهية ” ( ص 86 ) .
ثالثاً :
أما حكم الدعاء قبل التصدق فقد سبق بيان في جواب السؤال رقم (98579)
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة