0 / 0

كيف يتصرفون مع إمامهم الذي يعصي الله في المسجد ؟ وما حكم صلاتهم خلفه ؟

السؤال: 99216

لقد علمنا أن إمام مسجدنا يفسد في المسجد بعد كثير من الشكاوى ، باستماعه للأغاني ومعاكسة النساء في الطرقات ، وإغلاق مسجد النساء عليه وهو بداخله ، ولقد توجه إليه شاب ملتزم (المؤذن) وسأله : هل ما يقال عنك صحيح ؟ فأجاب الإمام بافتخار : إنها عشيقتي ، ومن لم يعجبه حالي : فلا يصلي ورائي ، فتوجه بعض الرجال إلى أبيه يشكونه حال ابنه ، فكان جواب أبيه أنه قال : إنه لا يسمع لكلامي ، وليس باستطاعتي أن أعمل شيئا ، وقال : أنا أسأل الله أن يأتي مسجدنا هذا إمام صالح .
وأرجو منكم أن تقدموا لنا نصيحة نعمل بها إن شاء الله .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
إن صحَّ ما نقله المؤذن عن ذلك الإمام الفاجر فهو على خطر عظيم ، ويُخشى عليه من الردة ، أو سوء الخاتمة ، ووجه ذلك :
1. أنه اتخذ بيت الله تعالى مكاناً لفجوره ، وقبح أفعاله ، وقد أمر الله تعالى بتعظيم بيوته وتطهيرها ، وجعلها الله تعالى للصلاة والدعاء والاعتكاف ، فأن تتخذ مكاناً للفجور مع النساء فهذا غاية في القبح ، ولم يفعله المنافقون في مسجدهم مسجد الضرار !
قال تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ ) النور/ 36 ، والبيوت في الآية هي : المساجد .
قال ابن كثير رحمه الله :
” أمَر الله برفعها ، أي : بتطهيرها من الدنَس ، واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها ..وقال قتادة : هي هذه المساجد ، أمر الله سبحانه ببنائها ، ورفعها ، وأمر بعمارتها ، وتطهيرها …وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد ، واحترامها ، وتوقيرها ، وتطييبها ، وتبخيرها ” انتهى ” تفسير ابن كثير ” ( 6 / 62 ) .
2. والأمر الآخر : افتخاره بالمعصية وتبجحه بها ، والمعلوم أن فعل المعصية بالخفاء مع الخوف من الله ليس كفعلها مجاهرة ، مع التبجح بها والافتخار .
وانظر جواب السؤال رقم (9562 ) ففيه بيان وعيد الذي يتباهى ويتفاخر بمعصيته .
ثانياً:
الواجب عليكم بذل النصح له ، والأخذ على يده ، فيذهب إليه بعض أهل العلم وكبار السن فيبذلون له النصح ، ويبينون له خطر فعله ، وأنه قدوة لا يصلح أن يصدر منه هذا ، وأن الناس تتأثر بإمام المسجد فينظرون لأفعاله على أنها تطبيق لما يقرأ من القرآن على أن يكون ذلك باللطف والحكمة .
فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَامَّتِهِمْ )رواه مسلم ( 55 ) .
فإن استجاب لهذا النصح وترك ما هو عليه من الفجور وسماع المنكرات : فنعم الفعل فعله ، ولكم الأجر على ذلك ، أما إن رد عليكم نصحكم ، واستمر في غيه وانحرافه : فتنتقلون للخطوة الثانية :
1. التقدم بشكوى إلى الجهات المسئولة ، على أن تكون موقعة من جميع المصلين بالمسجد ، ويُرجى أن يتخذ المسئولون الإجراء المناسب له من إنذاره ، أو فصله من وظيفته .
2. منعه من الإمامة ، إن أمكنكم ذلك ولم يترتب عليه مفسدة ، أو منازعات بين المصلين . وقد منع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أن يصلي إماماً بقومه من أجل أنه أمّ جماعة فبصق في القبلة . وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكَ آذَيْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) رواه أبو داود (481) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
والمنكرات التي يفعلها إمامكم أعظم من البصق في القبلة وهو يصلي .
3. فإن لم يمكن ذلك فإنكم تتركون الصلاة خلفه إنكاراً عليه ، فإن لم يتيسر لكم مسجد آخر تصلون فيه : فلا حرج عليكم من الصلاة خلفه ، وإثمه على نفسه ، والصلاة وراء الفاسق الفاجر جائزة ، وصحيحة ، وهي خير من صلاة المرء وحده ، ولا يجوز ترك الجمعة والجماعة بحجة فسق الإمام وفجوره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
” وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع ، وخلف أهل الفجور : ففيه نزاع مشهور ، وتفصيل لكن أوسط الأقوال في هؤلاء : أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة : لا يجوز مع القدرة على غيره ، فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع : يجب الإنكار عليه ، ونهيه عن ذلك ، وأقل مراتب الإنكار : هجره ؛ لينتهي عن فجوره ، وبدعته ، ولهذا فرَّق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية ؛ فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه ، بخلاف الساكت فإنه بمنزلة من أسرَّ بالذنب ، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر ، فإن الخطيئة إذا خفيت : لم تضر إلا صاحبها ، ولكن إذا أعلنت فلم تُنكر : ضرَّت العامة ” انتهى ” مجموع الفتاوى ” ( 23 / 342 ) .
وقال رحمه الله :
” الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق ، لكن اختلفوا في صحتها ، فقيل : لا تصح ، كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما ، وقيل : بل تصح ، كقول أبى حنيفة والشافعي ، والرواية الأخرى عنهما ، ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته ” انتهى ” مجموع الفتاوى ” ( 23 / 358 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (47884) .
ثالثاً:
وليعلَم هذا الإمام أن إثمه ليس كإثم غيره ، فهو على علم ومعرفة بالأحكام الشرعية ، وهو يقوم بالإمامة التي هي وظيفة الأنبياء والخلفاء والعلماء . وقد جاء الوعيد للإمام بعدم قبول صلاته إن كان من يصلِّي وراءه يكرهونه لفسقه أو بدعته .
فعن أَبَي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ).
رواه الترمذي ( 360 ) ، وحسَّنه ، وحسَّنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
قال الشوكاني رحمه الله :
” وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أمَّ قوما وهم له كارهون : أن صلاته غير مقبولة ” انتهى ” السيل الجرار ” ( 1 / 255 ) .
فليحذر هذا الإمام من مغبة أفعاله ومعاصيه ، ونسأل الله تعالى له الهداية .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android