عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ رواه البخاري (2025)، ومسلم (1171).
الحديث دليل على فضل الاعتكاف في المساجد ولاسيما العشر الأواخر من رمضان؛ لأنه كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، وما فعله الرسول على وجه الطاعة والقربة فهو مندوب لنا.
والاعتكاف هو لزوم مسجد على وجه القربة من شخص مخصوص بصفة مخصوصة. قال القرطبي في تفسيره: "أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لقول الله تعالى: وأنتم عاكفون في المساجد البقرة/187."
وقد أجمع العلماء على أن الاعتكاف ليس بواجب، وهو قربة من القرب ونافلة من النوافل عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأزواجه.
ويتأكد في رمضان لما تقدم، ولا ينبغي لمن دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة بقائه فيه لعدم وروده، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال البعلي الحنبلي في "الاختيارات" (ولم ير أبو العباس – ابن تيمية – لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه) "الاختيارات الفقهية" (ص 114).
ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد جماعة، وإن كان اعتكافه تتخلله صلاة جمعة فإن تيسر أن يكون في مسجد جامع فهو أحوط، لأن من أهل العلمي من يشترط ذلك، ويدخل معتكفه بعد صلاة الفجر تقول عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه
والاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر له فائدة عظيمة فإنه عزلة مؤقتة عن أمور الحياة وشواغل الدنيا، وإقبال بالكلية على الله تعالى. وانقطاع عن الاشتغال بالخلق، خصوصاً في ختام هذا الشهر الكريم، فهو متمم لفوائده ومقاصده متدارك لما فات الصائم من جمع القلب وهدوء النفس والانقطاع إلى الله تعالى.
ولما كان المعتكف منقطعاً لعبادة الله تعالى في بيت من بيوته، منع من مباشرة النساء بجماع أو تقبيل أو نحوه من الملامسة، كما أن المعتكف ممنوع من الخروج إلا لحاجة الإنسان الضرورية كالاغتسال إن أصابته جنابة بالاحتلام وكالبول والغائط إذا لم يوجد في المسجد حمام يقضي حاجته فيه ويغتسل، وله أن يخرج ليأتي بطعامه إذا لم يكن هناك من يأتيه به.
قالت عائشة رضي الله عنها: "السنة في المعتكف أن لا يخرج إلا لحاجته التي لا بد منها." أما خروجه لطاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يفعله إلا إن اشترط ذلك في ابتداء اعتكافه.
وإن مرض أثناء اعتكافه فإن كان يسيراً بحيث لا تشق معه الإقامة في المسجد كصداع ووجع ضرس وعين ونحوها من الأمراض التي لا تلزم الفراش، فهذا لا يجوز له الخروج لإمكانه تعاطي بعض الأدوية وهو في مكانه فإن خرج بطل اعتكافه. وإن كان المرض شديداً بحيث تشق معه الإقامة في المسجد لحاجته إلى الفراش والذهاب إلى الطبيب، فهذا يباح له الخروج لحاجته إليه، فإذا شُفي رجع وبنى على ما كان من اعتكافه.
وعلى المعتكف أن يدرك حكمة الاعتكاف فيقضي وقته بالصلاة وتلاوة القرآن والذكر، وأن يستفيد من وقته، وله أن يطلب العلم ويقرأ في كتب التوحيد والتفسير والحديث وغيرها من الكتب المفيدة، ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة، لحديث صفية رضي الله عنها والله أعلم.
المرجع
أحاديث الصيام للفوزان، ص 137.
أحاديث أخرى:
(أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه)
(الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل)
(إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به…)
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)
(من فطر صائما كان له مثل أجره)
(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)