ما الفرق بين الحديث المصحف والحديث المحرف ؟
التصحيف والتحريف
السؤال: 100266
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يقول الإمام السخاوي في تعريف التصحيف :
” هو تحويل الكلمة عن الهيئة المتعارفة إلى غيرها ” انتهى . ” فتح المغيث ” (3/72)
وهذا من أحسن التعاريف وأشملها لجميع الصور التي يذكرها العلماء في التصحيف ، فإن العلماء أطلقوا التصحيف على العديد من الصور ، وهي :
1- تغيير في حروف الكلمة مما تختلف فيه صورة الخط : مثاله :
قال الشافعي : ” صحف مالك في عمر بن عثمان وإنما هو عمرو بن عثمان ، وفي جابر بن عتيك وإنما هو جبر بن عتيك ، وفي عبد العزيز بن قرير وإنما هو عبد الملك بن قريب ” انتهى . ” معرفة علوم الحديث ” (150)
وقال أحمد : ” صحف شعبة ( مالك بن عرفطة ) إنما هو خالد بن علقمة ” انتهى .
“معرفة علوم الحديث” (146)
2- تغيير في نقط أو شكل الكلمة مع بقاء صورة الخط : وهذا أكثر إطلاق المحدثين .
مثاله : تصحيف ابن معين العوام بن مراجم بالراء والجيم ، إلى مزاحم بالزاي والحاء .
“تدريب الراوي” (2/648)
3- قلب الاسم : قال الحاكم : ” سمعت أبا علي الحافظ يقول : صحف فيه أبو حنيفة ، لإجماع أصحاب الزهري على روايته عنه عن الربيع بن سبرة عن أبيه ( وهو إنما قال عن سبرة بن الربيع ) . “معرفة علوم الحديث” (150)
4- إبدال لفظة مكان أخرى : مثاله :
روى الحاكم حديث المُحرِم الذي وقصته دابته وفيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( ولا تخمروا وجهه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) ثم قال : ” ذكر الوجه تصحيف من الرواة لإجماع الثقات الأثبات من أصحاب عمرو بن دينار على روايته عنه ( ولا تغطوا رأسه ) وهو المحفوظ ” انتهى . “معرفة علوم الحديث” (148)
5- إبدال راو بآخر : مثاله :
قال الحاكم : ” صحف بقية بن الوليد في ذكر صفية ولم يتابع عليه ، والحديث عن جويرية ” انتهى .
“معرفة علوم الحديث” (32)
قال الحافظ العراقي “التبصرة والتذكرة” (2/298) :
” وقد أطلق من صنف في التصحيف ، التصحيف على ما لا تشتبه حروفه بغيره ، وإنما أخطأ فيه راويه أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه ” انتهى .
6- تغيير المعنى .
قال العراقي “التبصرة والتذكرة” (2/300-301) :
” ومن أمثلة تصحيف المعنى ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة قال : ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة ، فهم منه تحليق الرؤوس ، وإنما المراد تحليق الناس حلقا ” انتهى .
والناظر في كتب المحدثين يلحظ ما يلي :
– استعمال لفظة التصحيف أكثر من استعمال لفظة التحريف .
– أنه ليس ثمة فرق بين الاستعمالين ، بل هما لفظان مترادفان في استعمال المحدثين ولم يثبت التفريق بينهما في أي من الصور ، بل إن الخطابي في كتابه “إصلاح غلط المحدثين” (12) أطلق على جميع أمثلته التي ذكرها في التصحيف – وهي من الصورة الثانية – أطلق عليها لفظ التحريف حيث قال : ” وهذه ألفاظ من الحديث يرويها أكثر الناس والمحدثين ملحونة ومحرفة ” انتهى .
كما أن الناظر في كتب اللغويين يجد أن التصحيف والتحريف ألقاب مترادفة في استعمالهم ، وتكفي نظرة سريعة في كتاب”تصحيح التصحيف وتحرير التحريف” لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764هـ وفي كتاب “التنبيه على حدوث التصحيف” لأبي عبد الله حمزة الأصبهاني لإثبات هذه الحقيقة .
وهذه التسوية بين الاستعمالين هي الأقرب إلى أصل المعنى اللغوي لكل من التصحيف والتحريف ، فإن التصحيف لغة : الخطأ في الصحيفة ( كذا في القاموس 3/217) ، والتحريف لغة : التغيير ( كذا في القاموس 3/171) : وذلك يعم كل خطأ وكل تغيير دون تفريق بين صوره .
إلا أن بعض الأئمة اختار الفصل بين الاصطلاحين والتمييز بينهما ، وهو الإمام العسكري أبو أحمد الحسن بن عبد الله المتوفى سنة 382هـ ، فقد كتب عدة كتب في التصحيف والتحريف ، منها : “شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف” و “تصحيفات المحدثين” ، وكان تفريقه مبنيا على أن التصحيف هو ما كانت فيه المخالفة مع تشابه صورة الخط ، فإذا أدت المخالفة إلى تغيير الخط فهو التحريف ، وذلك في كتابه “شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف” (1/77) حيث ذكر مثالا أخطأ فيه الراوي في قول الشاعر ( إذا ما سرى في القوم ) فقرأها ( سرى بالقوم ) فعقب عليه العسكري بقوله : “هذا من التحريف لا من التصحيف ” انتهى .
كما أنه في مقدمة “تصحيفات المحدثين” (1/4) قال : ” هذا كتاب شرحت فيه من الألفاظ المشكلة التي تتشابه في صورة الخط فيقع فيها التصحيف ” انتهى .
وظاهر من هذا التفريق أنه يضيق فيه معنى لفظ التصحيف الذي يستعمله المحدثون ، فهم يطلقونه على كل تغيير ، والعسكري يقصره على التغيير الذي تبقى فيه صورة الخط واحدة .
والذي يبدو أن هذا الفصل بقي محصورا في استعمال الإمام العسكري فقط ، دون أن يتعدى إلى غيره من أهل العلم ، حتى كان عصر الحافظ ابن حجر في المتأخرين ، فحاول ضبط التفريق بين الاصطلاحين ، قصدا منه لتسهيل العلم وتحديده ، فاختار أن يفرق بينهما بقوله :
” إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق ، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف ، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف ” انتهى . “نزهة النظر” (47)
ولم يكن الحافظ ابن حجر متابعا العسكري في هذا التفريق ، يظهر ذلك جليا في تغيير ( عُبَاد ) مثلا إلى ( عَبَّاد ) ، فهذا التغيير يسميه الحافظ ابن حجر تحريفا ، لأن الذي تغير فيه هو الشكل فقط ، أما العسكري فإنه يسميه تصحيفا لبقاء صورة الخط .
وتابع الحافظ على اصطلاحه كثير مما جاء بعده ، كالسيوطي .
انظر : “تدريب الراوي” (2/195 ، 386) ، والمناوي في شرح النخبة (2/431) ، والقاري في شرحها أيضاً .
قال : ” وابن الصلاح وغيره سمي القسمين محرفاً ولا مشاحة في الاصطلاح ، والفرق أدق عند أرباب الفلاح ” .
ولم يستعمل الحافظ ابن حجر هذا التفريق في كتاب آخر من كتبه ، بل رادف بينهما في كثير من المواضع ، فمن ذلك :
ما جاء في “الإصابة” (1/219) في ترجمة جاهمة السلمي قال :
” وقال ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن ابن إسحاق بهذا الإسناد ، لكن حرف اسم الصحابي ونسبته ، قال : عن جهم الأسلمي ” انتهى .
وفي موضع آخر من “الإصابة” (1/270) قال :
” صحف ابن لهيعة اسمه ونسبته ، وإنما هو جاهمة السلمي ” انتهى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب