لدي بعض الأسئلة أرجو الإجابة عليها : 1. لقد مررت بفترة عصيبة فلم أعد أفكر سوى بالموت في كل تصرفاتي ، فلم أعد أستطيع النوم بسبب هذه الوساوس ، وأصبحت أفكر في كل من مات ، وكيف مات ، وأصبحت صور الموتى ممن أعرفهم تراودني بين لحظة ولحظة ، فلم أعد أحتمل هذه الحالة ، فأصبحت أخاف من كل شيء ، لم يعد للحياة طعم ، فهل هذا إنذار باقتراب الأجل ، وأني سأموت في فترة قريبة ؟ أرجوكم أفيدوني ، في الواقع هذه الحالة انتابتني بعد ذنب ارتكبته ، فهل لهذا الذنب علاقة ؟ . 2. أحد أقاربي أخبرني بأنه رآني في المنام أني ميت ، وسأل أحد شيوخ البلدة وقال : إنه يدل على طول العمر ، فهل هذا صحيح أم أنه غير ذلك ؟ . 3. هل الدعاء بطول العمر مستجاب أم إنه قد كتبت الأعمار وانتهى الأمر ؟ وما الذي يبارك في العمر من أعمال ؟ . وجزاكم الله خيراً . نرجو الإجابة على الأسئلة بأسرع وقت ؛ لأنني بحاجه إليها .
الخوف من الموت : خيرُه وشرُّه ، وهل يُدعى بطول العمر ؟
السؤال: 100451
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أخي الفاضل
أولاً:
أرجو منك أن تعي ما أكتبه لك ، وأن تعمل به ، فلعل ما أصابك أن يكون خيراً لك :
1. كلُّ نفس ذائقة الموت :
وهذه حقيقة يجب أن تعلمها ، فليس أحدٌ بناجٍ من الموت ، طال عمره أو قصر ، صحيحاً كان أو مريضاً ، غنيّاً كان أو فقيراً .
قال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) آل عمران/ 185 ، وقال سبحانه : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) العنكبوت/ 57 .
وقال عز وجل : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء/ 35 .
ولو كانت الدنيا تدوم لأحدٍ : لأدامها الله لأنبيائه وأوليائه وأصفيائه ، فأين هم الأنبياء والرسل ؟ وأين هم الصدِّيقون والشهداء ؟ وأين هم الصحابة والتابعون ؟ كلهم ذاقوا الموت – إلا عيسى عليه السلام وسيذوقه في آخر المطاف – .
قال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) الأنبياء/ 34 .
وقال تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) الزمر/ 30 .
2. لا مهرب من الموت :
ومهما بذل الإنسان من أسباب الصحة والنشاط فهو ميت ، وأينما كان فإن الموت يدركه ، وحيثما فرَّ من الموت فإنه سيجده مقابل وجهه .
قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) الجمعة/ 8 .
وقال تعالى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) النساء/ 78 .
قال ابن كثير- رحمه الله – :
أي : أينما كنتم يدرككم الموت ، فكونوا في طاعة الله ، وحيث أمركم الله فهو خير لكم ، فإن الموت لا بد منه ، ولا محيد عنه ، ثم إلى الله المرجع ، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء ، ووافاه أتم الثواب .
” تفسير ابن كثير ” ( 6 / 291 ) .
وقال- رحمه الله – :
أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ، ولا ينجو منه أحد منكم ، كما قال تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وِالإكْرَامِ ) .
” تفسير ابن كثير ” ( 2 / 360 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) ق/ 19 – :
وقوله ( بِالْحَقِّ ) : أي : أن الموت حق ، كما جاء في الحديث : ” الموت حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ” – متفق عليه – ، فهي تأتي بالحق ، وتأتي أيضاً بحق اليقين ، فإن الإنسان عند الموت يشاهد ما تُوُعِّد به ، وما وُعِدَ به ؛ لأنه إن كان مؤمناً : بُشِّر بالجنة ، وإن كان كافراً : بُشِّر بالنار- أعاذنا الله منها – .
( ذَلِكَ ) أي : الموت .
( مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) اختلف المفسرون في ” ما ” هل هي نافية فيكون المعنى : ذلك الذي لا تحيد منه ، ولا تنفك منه ، أو أنها موصولة فيكون المعنى : ذلك الذي كنت تحيد منه ، ولكن لا مفر منه ، فعلى الأول يكون معنى الآية : ذلك الذي لا تحيد منه ، بل لابد منه ، وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) .
وتأمل يا أخي : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) ولم يقل ” فإنه يدرككم ” ، وما ظنك بشيء تفر منه وهو يلاقيك ؟ إن فرارك منه يعني دنوك منه في الواقع ، فلو كنت فارّاً من شيء وهو يقابلك ، فكلما أسرعت في الجري أسرعت في ملاقاته ، ولهذا قال : ( فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) ، وفي الآية الأخرى : ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) النساء/ 78 ؛ لأنه ذكر في هذه الآية أن الإنسان مهما كان في تحصنه فإن الموت سوف يدركه على كل حال ، وهنا يقول تعالى : ( ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) .
وعلى المعنى الثاني ، أي : ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر منه في حياتك ، قد وصلك وأدركك ، وعلى كل حال : ففي الآية التحذير من التهاون بالأعمال الصالحة ، والتكاسل عن التوبة ، وأن الإنسان يجب أن يبادر ؛ لأنه لا يدري متى يأتيه الموت .
” تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد ” ( ص 95 ، 96 ) .
قالَ الشاعر:
الموت بابٌ وكل الناسِ داخله الا ليت شعري بعد الموت ما الدار
الدارُ جَنَّةُ خُلدٍ إِن عَمِلتَ بِما يُرضي الإِلَهَ وَإِن قَصَّرتَ فَالنارُ
3. تذكر الموت خير لا شر .
وما لي أراك – أخي الفاضل – قلقاً من الموت ، خائفاً من ذِكره ؟! ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالإكثار من ذِكر الموت ؟! ألم تعلم أن في ذلك خيراً عظيماً لمن فعل ذلك حتى يكون مستعدّاً للقاء ربه ، ويكثر من الأعمال الصالحة قبل أن يفجأه الموت ؟! وهل تعلم أن نسيان الموت والغفلة عنه تؤدي إلى التعلق بالدنيا ، وتسويف التوبة ، والتكاسل عن الطاعات ؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : ( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ – يَعْنِي : الْمَوْتَ ) رواه الترمذي ( 2307 ) والنسائي ( 1824 ) وابن ماجه ( 4258 ) وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
على أننا ننبهك هنا ـ أخانا الكريم ـ إلى أن المراد بذكر الموت هو الذكر القاطع عن الانهماك في لذات الدينا وشواغلها ، والحامل على الاستعداد للموت والقبر ، وليس المراد بالذكر هنا الذكر السلبي الذي يوشك أن يقطع الإنسان عن مصالحه في معاشه ومعاده ، ويصيبه بالإحباط أو الجبرية في أفعاله .
قال الشيخ عطية سالم رحمه الله : ” المراد بذلك أن تكثر من ذكر الموت لتستعد له ، لا لتكدر صفوك في الدنيا وتقول : أنا سأموت ، لماذا اعمل ؟!! ثم يضيق صدرك ؛ لا ، المراد : أكثروا من تذكُّره في نفوسكم ، من أجل أن تستعدوا له ” شرح بلوغ المرام (4/2) .
وقال بعض العلماء :
” مَن أكثر ذكر الموت أكرمه الله بثلاث : تعجيل التوبة ، وقناعة القلب ، ونشاط العبادة ، ومن نسي ذكر الموت ابتلي بثلاث : تسويف التوبة ، وترك الرضا ، والتكاسل بالعبادة ” .
فينبغي أن يكون تذكرك للموت سبباً لقيامك بالطاعات ، ومحفِّزاً على سرعة التوبة ، ولا تجعل خوفك من الموت يسبب لك قلقاً ، ولا وساوس ، ولا يُقعدك عن العمل والطاعات ، ولا يمنعك من الكسب ، ولا يجعلك تقوم بحقوق نفسك وأسرتك ، وإلا كان هذا التذكر عليك ، لا لك .
ولا تنس مع ذِكرك للموت ، بل إكثارك منه ، أن تحسن الظن بربك تعالى ، وأنه لا يظلم الناس شيئاً ، وأنه تعالى يضاعف الحسنات ، ويعفو ويصفح ، ويقبل من عباده المسيئين توبتهم وإنابتهم ، فاحذر أشد الحذر من القنوط من رحمة الله ، واجمع في قلبك بين الخوف من الله وبين رجائه تعالى ، فالخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر ، فلا يغني أحدهما عن الآخر
، وهذا هو حال الأنبياء والأولياء والصالحين .
قال تعالى : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء/ 90 .
وقال سبحانه : ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ) السجدة/ 16 .
وقال تعالى : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) الزمر/ 9 .
فلا تسأل نفسك متى تموت ؟ بل على أي شيء تموت ؟ على خير أم شر ؟ على طاعة أم معصية ؟ على الإسلام أم على الكفر ؟ وبما أن الإنسان لا يدري متى يموت فإن هذا يدفعه لأن يكون متأهباً دائما للموت استعداداً للقاء ربه على أحسن حال .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
ولهذا نقول : أنت لا تسأل متى تموت ، ولا أين تموت ؛ لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال ، أمر مفروغ منه ، ولابد أن يكون ، ومهما طالت بك الدنيا ، فكأنما بقيت يوماً واحداً ، بل كما قال تعالى هنا : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) النازعات/ 46 ، ولكن السؤال الذي يجب أن يرِد على النفس ، ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو : على أي حال تموت ؟! ولست أريد على أي حال تموت هل أنت غني أو فقير ، أو قوي أو ضعيف ، أو ذو عيال أو عقيم ، بل على أي حال تموت في العمل ، فإذا كنت تسائل نفسك هذا السؤال ، فلابد أن تستعد ؛ لأنك لا تدري متى يفجَؤُك الموت ، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولاً على الأكتاف ، وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله ، وكم من إنسان لبس قيمصه وزر أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله ، هذا أمر مشاهد بحوادث بغتة ، فانظر الآن وفكِّر على أي حال تموت ، ولهذا ينبغي لك أن تكثر من الاستغفار ما استطعت ، فإن الاستغفار فيه من كل همٍّ فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً .
” لقاءات الباب المفتوح ” ( اللقاء رقم 17 ) .
ثانياً:
وأما بالنسبة لرؤيا قريبك وأنه رآك في المنام ميتاً : فقد سبق بيان أن الموت حق ، وأن الإنسان لا يدري متى يموت ولا في أي أرض ، فليس في الرؤيا ما ينافي الواقع لك عاجلاً أم آجلاً ، ولم يبق لك إلا الاستعداد له – كما سبق – ، مع التنبيه أن رؤية الشخص من قبَل غيره أنه ميت قد تعني أنه يرزق بولد أو حفيد كما أفاده بعض إخواننا المشتغلين بتعبير الرؤى ، ولو فرِض أن رؤيا قريبك ستتحقق قريبا : فهذا يجعلك تسارع في العمل الصالح ، ولسنا نشتغل هنا بتعبير رؤى الناس ، لكننا ننصحهم ونبين لهم ما ينتفعون به من أحكام ومسائل شرعية واجتماعية وتربوية .
ثالثاً:
الدعاء بطول العمر جائز ، على أن يكون معه الدعاء بأن يكون في طاعة الله ، أو حُسن العمل ؛ إذ طول العمر من غير توفيق لأعمال صالحة فيه ضرر على صاحبه ؛ لأنه تكثر أعماله السيئة وتكثر معاصيه ، وها هو إبليس له عمر طويل ، وهو يقضيه في الوسوسة والكيد .
وقد سبق في جواب السؤال رقم : ( 12372 ) جواز الدعاء بطول العمر ، مع الزيادة التي نبهنا عليها وهي ” في طاعة الله ” وما يشبهها .
والأعمار والأرزاق مكتوبة مقدَّر في اللوح المحفوظ لا تتبدل ولا تتغير ، لكن الله تعالى جعل لها أسباباً تطول بها الأعمار – أو يبارك فيها – ويكسب بها رزقاً ، ومن ذلك : صلة الرحم ؛ فإنها تطيل في العمر وتزيد في الرزق ، وقد علم الله تعالى أزلاً أن فلاناً سيصل رحمه فقدَّر له عمُراً ورزقاً بسببه ، والمسلم لا يدري ما كُتب له ، لكنه يبذل أسباب الحفاظ على حياته ، ويبذل أسباب تحصيل الرزق .
وبعض العلماء يرى أن التبديل والتغيير يكون بما في أيدي الملائكة من صحف، وأما ما في اللوح المحفوظ فلا يمكن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” رُفعَت الأَقلام وجفَّت الصحف” . رواه أحمد (2664) والترمذي (2516) وصححه الألباني .
قال تعالى : ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) فاطر/من الآية 11 .
وقال تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد/ 39 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) من الأقدار .
( وَيُثْبِتُ ) ما يشاء منها ، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه ، وكتبه قلمه ؛ فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير ؛ لأن ذلك محال على الله أن يقع في علمه نقص أو خلل ، ولهذا قال :
( وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) أي : اللوح المحفوظ ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء ، فهو أصلها ، وهي فروع له وشُعب .
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب ، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة ، ويجعل الله لثبوتها أسباباً ، ولمحوها أسباباً ، لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق ، وكما جعل المعاصي سبباً لمحق بركة الرزق والعمر ، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سبباً للسلامة ، وجعل التعرض لذلك سبباً للعطب ، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته ، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علِمه وكَتَبه في اللوح المحفوظ .
” تفسير السعدي ” ( ص 419 ) .
وسواء كانت الزيادة حقيقية في صحف الملائكة ، كما هو الصحيح ، أو أنها بالبركة في عمُر المسلم : فإن المطلوب من المسلم بذل الأسباب التي تطيل عمره أو تبارك له فيه ، كما يبذل الأسباب في الرزق والبركة فيه .
عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ : فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
رواه البخاري ( 1961 ) ومسلم ( 2557 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
” وقد تأول بعضهم أنه يبارك له في عمره حتى قد يعمل فيه من الخير في العمر القصير ما يعمل في العمر الطويل ، والصحيح : أنه يزيد وينقص فيما في أيدي الملائكة من الصحف كما تقدم ، وليس لأحد اطِّلاع على اللوح سوى الله ” .
” مختصر الفتاوى المصرية ” ( 1 / 227 ) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة