أنا شاب ، أبلغ من العمر 27 عاماً ، لدى رغبة جامحة في الزواج ، مما دفعني للتفكير في الزواج بأي فتاة مهما كان شكلها ، ومهما كانت ظروفها ، ما دام متوفراً فيها شرط الدين ، ولي ابنة عمة متدينة جدّاً ، عرضتْ عليَّ ابنتها ، عمرها 15 عاما ، وهي غير ملتزمة بالدين على الوجه الذي يرضيني ، لكنها تؤدى الصلاة في وقتها ، لبستْ النقاب بعد خطبتي لها ، وبناء على طلب مني ، لكنها تشاهد التلفاز ، وتضع نغمات لأغاني على الجوال الخاص بها ، وفي يوم الرؤية الشرعية قالت لي إنها لا تحب الملتزمين ، وبعد أن تحدثت إليها بدأت الفكرة عن الملتزمين تتغير عندها ، وبعد 4 شهور من الخطبة اتصلت بي وقالت لي إنها أخبرت أمها أنها لا تحبني وليست قادرة على أن تعرفني ، وذلك بحكم أني عندما أذهب إليهم أجلس مع أهلها ولا أجلس معها ، لأنها لا تزال أجنبية عني ، وقالت لي هل تستطيع أن تعوضني عن الجامعة ، حيث إن الزواج بعد 3 سنوات ، أي بعد نهاية المرحلة الثانوية ، وقبل الجامعة ؟ فقلت لها : لا أفهم ماذا تريدين ، قالت : يعني أنا وأصحابي نريد أن نذهب للجامعة لنحب شباب ، ونعيش فترة الجامعة ، هكذا نحب شباب ويحبونا ، ولا أفكر في الزواج قبل هذه المرحلة ، المهم تعاملت مع الموقف على أنها لا تزال صغيرة ولا تعرف شيئاً ، وتريد أن تقلد زميلاتها ، وتقلد ما تراه في التلفاز ليلا نهارا من قصص العشق والغرام ، وحاولت إقناعها أني أستطيع أن أعوضها عن الجامعة وما يدور برأسها ، ولكني خائف جدّاً من كلامها هذا ، وأنا أكتب لك بعد المكالمة التي كانت بيننا بساعتين فقط ، وأنا في حيرة من أمري ، فأبوها وأمها وكافة أهلها متمسكون بي جدّاً ، وأنا كنت أشعر بميل تجاهها ، ولكني الآن خائف أن تكون ليست الزوجة الصالحة التي عشت عمري أحلم بها ، وفى نفس الوقت أقول : لا تظن بها السوء ، فهي لا تزال صغيرة ولا تعي ما تقول .
أرجو من فضيلتكم النصيحة ما أفعل لكي أحافظ على ديني ؟ مع العلم أن ظروفي المادية سيئة ، ولن يرضى بي أحد على وضعي هذا ، فهم رضوا بي لأنهم أهلي ويعرفونني جيداً .
متردد في الزواج من هذه الفتاة بسبب نقص دينها
السؤال: 102039
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
هناك خطأ كبير يقع فيه كثير من المقبلين على الزواج ، والباحثين عن شركاء الحياة من الرجال والنساء ، كثيرا ما أودى بمشاريعهم نحو الفشل ، ليترك كلا الطرفين نُهبةً للهموم والأحزان ، ويُحمِّلَ المجتمعَ وزرا جديدا تجره أعباء الطلاق وسلبياته .
وسبب هذا الخطأ هو ” الخيال ” ! ، حين يمني أحد الطرفين نفسه بأن شريكه سيتغير ويتبدل في مستقبل الأيام حتى تكتمل فيه صفات شريك الأحلام الذي كان يداعب شبابه ، وأن كل نقص فيه سيعوضه كمالا يملأ وجدان شريكه ومشاعره بكل جديد وجميل .
يحاول هؤلاء تجاوز الحاضر نحو المستقبل المجهول ، هربا من الحقيقة ، ورغبة في التخلص من مواجهة قريبة ، ونسي هؤلاء أن الواجب على كل مقبل على الزواج – إذا أراد نجاحا وتوفيقا – أن يكون ” واقعيا ” في شرطه واختياره ، ” واقعيا ” في قبوله أو رفضه ، لا يبني على الأوهام ، ولا يشطح في ” الخيال ” ، بل يرى الحاضر بواقعية ثم يبني حكمه على أساسه ، ليتحمل بعد ذلك المسؤولية المباشرة .
فواقع هذه الفتاة ينادي عليها بعدم التدين ، وعدم صلاحيتها لك ، ووصية نبيك صلى الله عليه وسلم لك هي أن تنكح ذات الدِّين ، وهو اللائق بك أن تفعله دون غيره ، وعذرك في قبول أهلها لك لا ينفعك ؛ لأنك ستعيش مع الفتاة لا مع أهلها ، ولن يكون منهم إلا تصبيرك عليها ، ولو رأيت منها ما رأيت ، ولو سمعت منها ما سمعت .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .
رواه البخاري ( 4802 ) ومسلم ( 1466 ).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –
والمعنى : أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدِّين مطمحَ نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدِّين الذي هو غاية البغية …
” فتح الباري ” ( 9 / 135 ) .
وقال الصنعاني – رحمه الله – :
ودلَّ الحديث على أن مصاحبة أهل الدِّين في كل شيء هي الأولى ؛ لأن مصاحبَهم يستفيد من أخلاقهم ، وبركتهم ، وطرائقهم ، ولا سيما الزوجة ، فهي أولى مَن يُعتبر دينُه ؛ لأنها ضجيعته ، وأم أولاده ، وأمينته على ماله ومنزله وعلى نفسها .
” سبل السلام ” ( 1 / 146 ) .
ثانياً:
نوصيك بالاستعانة بخالقك تعالى على إعانتك على الزواج ، ولا تظنن أن زواجك بتلك الفتاة لن يكلفك مبالغ طائلة ؛ لأن الظاهر من حالها أنها ستُكثر من المطالب ولو أدى لفقرك ! ولا تقلق إن تركتها لتتزوج غيرها ؛ فإن الله تعالى قد تكفَّل بإعانة الناكح الذي يريد العفاف .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ) .
رواه الترمذي ( 1655 ) والنسائي ( 3218 ) وابن ماجه ( 2518 ) ، وحسَّنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
قال المباركفوري – رحمه الله – :
( والناكح الذي يريد العفاف ) أي : العفة من الزنى ، قال الطِّيبي : إنما آثر هذه الصيغة إيذاناً بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي تفدح الإنسان ، وتقصم ظهره ، لولا أن الله تعالى يعينه عليها لا يقوم بها ، وأصعبها : العفاف ؛ لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة فيه ، وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين ، فإذا استعف وتداركه عون الله تعالى : ترقَّى إلى منزلة الملائكة ، وأعلى عليين .
” تحفة الأحوذي ” ( 5 / 242 ) .
والخلاصة :
أن حال تلك الفتاة لا يصلح لأن تتزوجها ، فإن عزمَتْ على التغير إلى الأفضل عزماً أكيداً ، وسعت في ذلك فعلاً فتزوجها ، وإن أبت إلا الاستمرار على حالها ، أو لم تصدق في تغيرها : فدعها إلى غيرها ، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب