ما هي حقية كوكب الزهرة أنها كانت امرأة ، ونجم سهيل أنه كان رجلا ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعنهما .
قصة خرافة عن كوكب ” الزهرة ” ونجم ” سهيل “
السؤال: 104055
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
القصة التي تُروى عن كوكب الزُّهرة ، جاءت في سياق قصة أخرى تحكي أمر هاروت وماروت ، حاصلها أن الملائكة تعجبوا مِن عصيان بني آدم في الأرض ، فأمرهم الله أن يختاروا منهم مَن ينزل إلى الأرض وتركب فيه الشهوة ، كي ينظروا أيطعيون أم يعصون ، فاختاروا هاروت وماروت ، فجاءت الزهرة – امرأة حسناء – فتعرضت لهما حتى أغوتهما ، ثم مسخها الله كوكبا في السماء ، وأدرك الملائكةُ الأمر فاستغفروا للمؤمنين .
جاءت هذه الرواية من حديث ابن عمر على وجهين :
1- من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار .
وذلك من طرق عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار به .
رواه عبد الرزاق في “تفسيره” (1/73-74) وعنه الطبري في “تفسيره” (2/429-430) ، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/306) ، وهذا سند صحيح متصل رجاله ثقات .
2- من قول النبي صلى الله عليه وسلم :
وذلك من طريق نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به ، وقد رواه عن نافع ثلاثة :
– فرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
عند الطبري في تفسيره (2/432) . وفرج بن فضالة : له أحاديث مناكير . انظر ترجمته في”تهذيب التهذيب” (8/262) ، ومعاوية بن صالح : له أوهام . انظر:”تهذيب التهذيب” (10/211)
– زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر به مرفوعا .
رواه أحمد في المسند (2/134) ، وعبد بن حميد (787) ، وابن حبان في صحيحه (14/63) ، والبزار (2938) – كشف الأستار- ، والبيهقي في “السنن” (10/4-5) ، وابن السني في “عمل اليوم والليلة” (662) . وموسى بن جبير : قال فيه ابن حبان : يخطئ ويخالف . وقال ابن القطان : لا يعرف حاله . كذا في “تهذيب التهذيب” (10/339) ، وزهير بن محمد فيه كلام أيضا ، خلاصة حكم الحافظ ابن حجر عليه أنه ثقة يغرب ويأتي بما ينكر . انظره في “تهذيب التهذيب” (3/350)
– موسى بن سرجس عن نافع :
كما عند ابن مردويه – كذا نقله ابن كثير في تفسيره (1/354) – ، وموسى بن سرجس لم يُنقل عن أحد فيه حكم ، فهو مجهول الحال ، وقد ضعف الترمذي حديثا له رواه في سننه . انظر “تهذيب التهذيب” (10/307)
وبذلك يتبين أن الرواية الصحيحة هي من كلام كعب الأحبار ، وليست المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن رفعه [ أي نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ] منكر ظاهر من خطأ بعض الرواة ، دلنا على ذلك اجتماع قرائن نكارة المتن وضعف السند ، ومخالفة الصحيح .
لذلك قال أبو حاتم – كما في “العلل” (2/69) – عن واحدة من روايات الرفع :
“هذا حديث منكر” انتهى .
وقال البزار : ” وإنما أتى الرفع هذا عندي من زهير ؛ لأنه لم يكن بالحافظ ” انتهى .
وقال البيهقي عن روايته عن كعب الأحبار : ” وهذا أشبه ” انتهى .
ويقول ابن كثير رحمه الله بعد أن وصف الروايات عن نافع بالغرابة :
” وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع ، فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل ” انتهى . “تفسير القرآن العظيم” (1/354)
وقد مال الحافظ ابن حجر في “القول المسدد” إلى تصحيح أصل القصة فقال (ص/39) :
” له طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة ، لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها ” انتهى .
غير أن كلام المتقدمين الذين ضعفوا الرواية أولى وأقرب ، فالطرق الكثيرة مخالفةٌ للطريق الصحيحة ، وضعف رواتها يرجح رجوعها إلى كعب الأحبار وليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد علق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيق المسند (2/143) على كلام الحافظ بقوله :
” أما هذا الذي جزم به الحافظ بصحة وقوع هذه القصة لكثرة طرقها وقوة مخارج أكثرها ، فلا ، فإنها كلها طرق معلولة أو واهية ، إلى مخالفتها الواضحة للعقل ، لا من جهة عصمة الملائكة القطعية فقط ، بل من ناحية أن الكوكب الذي تراه صغيرا في عين الناظر قد يكون حجمه أضعاف حجم الكرة الأرضية بالآلاف المؤلفة من الأضعاف ، فأنَّى يكون جسم المرأة الصغير إلى هذه الأجرام الفلكية الهائلة ” انتهى .
ومن أظهر علامات نكارة القصة التفاوت الكبير في ألفاظ رواياتها ، فمنها المختصر ومنها المطول ، ومنها الزائد ومنها الناقص ، وبعضها فيها لعن النبي صلى الله عليه وسلم كوكب الزهرة وبعضها يسكت عن ذلك ، بل ومنها ما يذكر مسخ الزهرة إلى كوكب ، ومنها ما يسكت عنه ، أما الرواية عن كعب الأحبار فقد جاءت بلفظ واحد مختصر ، ليس فيه ذكر قصة الزهرة ومسخها إلى كوكب ، وإنما تقتصر على قصة الملكين هاروت وماروت .
وقد وردت القصة عن ابن مسعود وابن عباس من الصحابة رضوان الله عليهم ، وعن جماعة من التابعين ، ساق مروياتهم الحافظ ابن كثير في “تفسيره” ثم قال (1/360) :
” وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين ، كمجاهد والسدي والحسن وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم ، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين ، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل ، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها ، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى ، والله أعلم بحقيقة الحال “انتهى .
ثانيا :
أما ما يُحكى عن النجم ” سُهيل ” ، أنه كان رجلا من بني آدم ، ثم مُسخ إلى نجمٍ مُعلق في السماء ، فكل ما ورد فيه مكذوب موضوع ، وقصة خرافة يتناقلها الناس والرواة ، وهذا تفصيله :
1- عن عمرو بن دينار أنه صحب ابن عمر في السفر ، فكان إذا طلع سُهيلٌ قال : لعن الله سهيلا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كان عشَّارا – يأخذ عشر الأموال ضريبة – يظلمهم ويغصبهم أموالهم ، فمسخه الله شهابا ، فجعله حيث ترون )
رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (7/147) وابن السني في “عمل اليوم والليلة” (رقم/651) ، والبزار – كما في “كشف الأستار” (1902 و903) جميعهم من طريق إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار به
قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن دينار إلا إبراهيم بن يزيد .
لكن عند البزار متابعة مبشر عن عمرو بن دينار ، إلا أنها متابعة ساقطة ، فقد قال البزار بعد إخراجه لهما :
” لا نعلم أحدا رواه عن عمرو بن دينار عن ابن عمر إلا إبراهيم : وهو لين الحديث , وإنما ذكرناه على ما فيه من العلة لأنا لم نحفظه إلا من هذين الوجهين ” انتهى .
وذكره الذهبي في “الميزان” (3433) في ترجمة مُبَشِّر ، وعده من مناكيره .
وقال ابن الجوزي في “الموضوعات” (1/187) :
” هذا الحديث لا يصح موقوفا ولا مرفوعا ” انتهى .
ومن دلائل نكارة الحديث وتخليط إبراهيم بن يزيد أنه يرويه مرة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر ، ومرة عن عمرو عن عبد الرحمن بن السايب عن ابن عمر . = كما أسنده ابن الجوزي في “الموضوعات” من طريق الدارقطني –
2- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لعن الله سهيلا – ثلاث مرات – , فإنه كان يعشر الناس في الأرض , فمسخه الله شهابا )
أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (1/108) , وكذا أخرجه ابن السني في “عمل اليوم والليلة” (649،650) في باب : ما يقول إذا رأى سهيلا . والخطيب البغدادي في “السابق واللاحق” (ص/78) والدارقطني في “العلل الواردة في الأحاديث النبوية” للدارقطني (4/187)
من طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه .
يقول ابن الجوزي في “الموضوعات” (1/188) :
” وقد رواه وكيع عن الثوري موقوفا وهو الصحيح . وهذا لا يصح لأن مداره على جابر الجعفي . قال جرير : لا أستحل أن أروي عنه . وقال أبو حنيفة : ما رأيت أكذب منه . وقال يحيى بن معين : لا نكتب حديثه ” انتهى .
وجاء في “العلل الواردة في الأحاديث النبوية” للدارقطني (4/187) :
” وسئل عن حديث أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا رأى سهيلا لعنه وقال : كان رجلا ينحس الناس بالظلم فمسخه الله شهابا .
فقال : يرويه جابر الجعفي ، واختلف عنه :
فرواه الثوري عن جابر : فقال إبراهيم بن خالد وأبو حذيفة عن الثوري عن جابر عن أبي الطفيل عن علي ولا أراه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وخالفهما وكيع ومحمد بن عبد الوهاب القناد فروياه عن الثوري موقوفا بغير شك .
ورواه عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر مرفوعا أيضا ، ورفعه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن جابر .
والصحيح موقوفا ” انتهى .
3- وفي رواية أخرى عن علي بن أبي طالب بسياقٍ مختلفٍ جاء فيها :
” أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن المُسوخ ؟ فقال : هم ثلاثة عشر…فذكرها ثم قال :
وأما سهيل فكان عشَّارًا باليمن ، وأما الزهرة فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل افتتن بها هاروت وماروت ” انتهى .
عزاه السيوطي في “الدر المنثور” (1/249) للزبير بن البكار في “الموفقيات” ، و”ابن مردويه” و”الديلمي” ولم أقف على إسناد منها .
ورواه ابن الجوزي في “الموضوعات” في ” باب ذكر المسوخ ” (1/185) بسنده ثم قال :
” هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما وضعه إلا ملحد يقصد وهن الشريعة بنسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو مستهين بالدين لا يبالي ما فعل ، والمتهم به مغيث – مولى جعفر بن محمد عنه عن أبيه عن جده عن علي – .
قال أبو الفتح الازدي : خبيث كذاب لا يساوي شيئا ، روى حديث المسوخ ، وهو حديثٌ منكر .
قال المصنف – ابن الجوزي – : وحديث ابن حبيبة الصحيح : ( فإنه ما مسخ الله عز وجل شيئا فجعل له نسلا ) يرد هذا ” انتهى .
فالحاصل أنه لم تثبت الحكاية عن مسخ رجل إلى النجم ” سهيل ” بسند مرفوع صحيح ، وكل ما ورد في ذلك من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فهي أحاديث منكرة ضعيفة ، حكم عليها أهل العلم بالوضع والترك ، منهم الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (4196) .
وغاية ما هنالك أنه قد تصح فيها بعض الآثار الموقوفة عن بعض الصحابة ، غير أن هذه الآثار ليس لها حكم الرفع ، والأخذ بما فيها موضع شك ، لاحتمال تلقيها عن بني إسرائيل احتمالا قويا ظاهرا ، كما هو الأمر في قصة مسخ الزهرة إلى الكوكب المعروف ، والخرافات التي ترويها الإسرائيليات تأتي بهذا القبيل من القصص والأحداث .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب