0 / 0

آداب زيارة العلماء

السؤال: 104411

ما هي آداب زيارة العلماء ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

للعلماء في شريعتنا منزلة عالية ، ومكانة رفيعة ، فهم ورثة الأنبياء ، وحملة الشريعة ، وهم روح الأمة وحياتها وفيهم – بعدَ الله – أملها ورجاؤها .
لذلك كان من الواجب على جميع المسلمين توقيرهم ، واحترامهم ، وإكرامهم ، والتأدب معهم في جميع شؤونهم ، يجمع ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ ) رواه أحمد (5/323) وحسنه الألباني في “صحيح الجامع” (5442) .
ولزيارة العلماء آداب خاصة ، وآداب مشتركة مع كل زيارة ، ونحن نذكر هنا أهم الآداب التي تكفي لتحقيق الأدب والتوقير والإجلال اللائق بأهل العلم والفضل :
1- استحضار النية الصالحة قبل زيارتهم ، كي يكتب الله تعالى هذه الزيارة في كتاب الحسنات ، ويثيب عليها في الآخرة الأجر العظيم الجزيل ، وخير ما يمكن أن يحتسبه المرء في زيارة أهل العلم هو التعلم وطلب التفقه في الدين ، وتحصيل الفهم وتقويم الفكر ، والاستفادة من الفرصة المتاحة في الزيارة للسؤال عن المسائل المشكلة والقضايا المشتبهة ، فإذا جمع الزائر إلى هذه النية الحب في الله ، وحب العلماء والفقهاء والصالحين ، والرغبة في بلوغ منزلتهم ، فقد جمع خيراً كثيراً ، ورجع بالأجر والفضل ، وكانت زيارته عبادة يرجو برها وذخرها عند الله تعالى .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ – أي : طريقه – مَلَكًا ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ . قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا – أي : تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك – ؟ قَالَ : لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ ) رواه مسلم (2567) .
وأسوأ ما يمكن أن يحتسبه من يزور أهل العلم بلوغ حظ من حظوظ الدنيا ، من شهرة أو رياء أو سمعة ، ليقال إنه من أصحاب الإمام الفلاني ، أو العالم الفلاني ، أو لينال من تزكيته وثنائه ما يبلغ به شيئا من الدنيا ، أو طمع في مال أو جاه أو منصب ، أو غير ذلك من السفاسف الزائلة ، وأي قبح أعظم من أن تقصد الدنيا بأمور الآخرة ، فتصير المكارم والمحاسن مطامع لذوي النفوس المريضة .
2- التحضير للزيارة بالموعد المسبق مع العالم المقصود ، فأوقات العلماء وأعمارهم موقوفة في سبيل الله ، فقد تسبب الزيارة المفاجئة الكثير من الحرج والضيق ، فتفسد على العالم عمله وجهده ، وقد يستحي من رد المزور .
وحبذا لو استغلت فرص الزيارة المفتوحة التي يخصصها كثير من العلماء ، وتكون معروفة لدى من حوله من طلبة العلم ، فلا ينبغي للطلبة التضييق عليه باضطراره إلى اقتطاع أوقات زائدة لزيارة خاصة إلا لحاجة أو ضرورة طارئة .

3- العناية بالنظافة والأناقة وأخذ الزينة المناسبة للزيارة ، توقيرا وإكراما لمجالس العلم ومنازل العلماء .

4- اصطحاب أهل الفضل والخير والجادين من طلبة العلم ، الذين يعرفون للزيارة آدابها وحرمتها ، لا المعاندين المغرضين الذين يتصيدون الزلات ، ولا يتورعون عن الولوغ في أعراض المسلمين ، وكذلك تجنب اصطحاب الأطفال والأولاد المزعجين ، كي لا يتسبب الزائر بالأذى لأهل البيت ، كما ينبغي مراعاة حال المنزل من حيث الضيق والسعة ، فيقدر الزوار العدد الذي لا يسبب الحرج إن ضاق بهم المكان .

5- التأدب بآداب الاستئذان : كالتعريف بالاسم ، والاستئذان ثلاثا بالطريقة اللائقة اللينة من غير إحداث أصوات مزعجة ، وعدم الوقوف أمام الباب مباشرة ، والرجوع إن لم يحصل الإذن من غير صخب ولا ضجر ، وغير ذلك من الآداب العامة التي يستعملها الناس اليوم .
قال ابن جماعة في “تذكرة السامع والمتكلم” (ص/143) معددا آداب الطالب مع شيخه :
” ألا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام إلا باستئذان ، سواء كان الشيخ وحده أو كان معه غيره ، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف ، ولا يكرر الاستئذان ، وإن شك في علم الشيخ به فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات ، أو ثلاث طرقات بالباب أو الحلقة ، وليكن طرق الباب خفيا بأدب بأظفار الأصابع ، ثم بالأصابع ثم بالحلقة قليلا قليلا ، فإن كان الموضع بعيدا عن الباب والحلقة فلا بأس برفع ذلك بقدر ما يسمع لا غير ، وإذا أذن وكانوا جماعة ، يقدم أفضلهم وأسنهم بالدخول والسلام عليه ، ثم سلم عليه الأفضل فالأفضل .
وينبغي أن يدخل على الشيخ كامل الهيئة ، متطهر البدن والثياب ، نظيفهما ، بعد ما يحتاج إليه من أخذ ظفر وشعر ، وقطع رائحة كريهة لا سيما إن كان يقصد مجلس العلم ، فإنه مجلس ذكر واجتماع في عبادة .
ومتى دخل على الشيخ في غير المجلس العام وعنده من يتحدث معه فسكتوا عن الحديث ، أو دخل والشيخ وحده يصلي أو يذكر أو يكتب أو يطالع ، فترك ذلك أو سكت ولم يبدأ بكلام أو بسط حديث ، فليسلم وليخرج سريعا ، إلا أن يحثه الشيخ على المكث ، وإذا مكث فلا يطيل إلا أن يأمره بذلك ” انتهى .

6- التأدب في مجلسه بآداب المجالس ، ويحاول أن يبلغ بها الغاية والكمال ، فهي كلها خير وخلق وأدب : فلا يرفع صوته ، ويحرص على خدمة الشيخ وتلبية طلبه ، ويحترمه في أسلوب الخطاب والحديث ، ولا يزعجه بالمكالمات الهاتفية المزعجة ، وينبغي ” أن يكون مجلسه دون العالم ، وأن لا يكون بعيداً عن العالم ولا قريباً جداً منه في مجلسه ، وأن يتفسح للطلاب الذين يريدون الجلوس ، وأن لا يشغب بالكلام في مجلسه ، ولا يماري ولا يجادل ، وأن لا يبدأ الحديث حتى يبدأ الشيخ ، وأن لا يفرض على مجلس الشيخ حديثاً بدون إذن الشيخ ، وأن لا يتكلم بعد كلام الشيخ إلا بإذنه ، وأن لا يغتاب عنده أحداً ، وأن لا يشعره بتململ أو تضجر ، وأن لا يجلس جلسة تنبئ عن عدم الاكتراث أو قلة الاهتمام ، وأن يتحمل من شيخه ما قد يعتريه من وعورة خلق أو شدة ، فإنما هو بَشَر ” انتهى .
نقلا عن “معاملة العلماء” للشيخ محمد بازمول (ص/39) .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( إن من حق العالم ألا تكثر عليه السؤال ، ولا تعنته في الجواب ، وأن لا تلح عليه إذا كسل ، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ، ولا تفشين له سرا ، ولا تغتابن عنده أحدا ، وإن زل قبلت معذرته ، وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله ، ولا تجلس أمامه ، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته ) .
وقال أيضا : ( من حق العالم عليك إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة ، وعلى القوم عامة ، وتجلس قدامه ، ولا تشر بيديك ، ولا تغمز بعينيك ، ولا تقل قال فلان خلاف قولك ، ولا تأخذ بثوبه ، ولا تلح عليه في السؤال ، فإنه بمنزلة النخلة المرطبة لا يزال يسقط عليك منها شيء).
رواهما ابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله” (1/129) ، (1/146) .
وقال ابن جماعة في “تذكرة السامع والمتكلم” (ص/145- 165 ) :
” وينبغي أن يدخل على الشيخ أو يجلس عنده وقلبه فارغ من الشواغل ، وذهنه صاف ، لا في حال نعاس أو غضب أو جوع شديد أو عطش أو نحو ذلك ، ليشرح صدره لما يقال ويعي ما يسمع وأن يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب ، ويصغي إلى الشيخ ناظرا إليه ، ويقبل بكليته عليه ، ولا يلتفت من غير ضرورة ، ولا يعبث بيديه أو رجليه ، ولا يضع يده على لحيته أو فمه أو يعبث بها في أنفه ، ولا يعطي الشيخ جنبه أو ظهره ، ولا يعتمد على يده إلى ورائه أو جنبه ، ولا يكثر كلامه من غير حاجة ، ولا يكثر التنحنح من غير حاجة ، ولا يبصق ولا يتنخع ما أمكنه ، وإذا عطس خفض صوته جهده ، وستر وجهه بمنديل ، وإذا تثاءب ستر فاه بعد رده جهده ” انتهى باختصار .
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي (في سلسلة دروس مطبوعة الدرس/8، ص/16 ) :
” من حق العالم على طالب العلم إذا كان في مجلس العلم أن يصغي إليه ، كما أخبر الله عن الجن : ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ) الأحقاف/29 ، وقال الله لنبيه موسى : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) طه/12-13
فالواجب الإنصات إليه إذا حدث ، وعدم مقاطعته ، وعدم الاستهانة برأيه ، والاستخفاف بعلمه ، فإن العلم شعيرة من شعائر الله : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج/32
كذلك أيضاً من حقوقهم : أن الإنسان يحرص كل الحرص على التأدب معهم في المناقشة والسؤال والاستفتاء ، لا يرهقهم ولا يحملهم ما لا يطيقون ، ولذلك أمر الله أصحاب نبيه أن يتأدبوا معه حتى في مجالسهم الخاصة ، وأن لا يطيلوا الجلوس عنده ؛ لأنه ربما كان مشغولاً بما هو أهم وأعظم ، فالعالم يحتاج إلى حفظ وقته ، وهكذا إمام المسجد والخطيب ونحوهم ممن يوجه الناس ، قد تكون عندهم أمور خاصة يحتاج إلى تفرغ لها ، ويحتاجون أن يتزودوا ، فإذا أصبح الناس لا يبالون بأوقات العلماء ، ويرهقونهم بكثرة الزيارات التي لا يصحبها استفادة ، فهذا أمر فيه ضرر عليهم ، بل هو من إساءة الأدب ، ولذلك من الأمور التي شاعت بين الكثير إلا من رحم الله كثرة زيارة العلماء والجلوس معهم دون استفادة .
فتجدهم يسألون عن حاله ، وعن شأنه ، ويسألونه عن أموره الخاصة ، وشئونه الخاصة ، دون أن يسألوا عن علمٍ نافع ، حتى مل العلماء من مجالس الناس وأصبحوا يقولون : نجلس ويضيع الوقت في أمور دنيوية .
وقد يجلسون بالساعات ، فإذا أراد العالم أن يقوم ، قال أحدهم : عندي سؤال ، وقال هذا : عندي مشكلة ، مع أن العالم يجلس بالساعات ، ولا يجد من يسأله .
فينبغي أن نشفق عليهم ، وأن نختار الأوقات المناسبة لزيارتهم ، وكذلك أيضاً إذا رأينا عليهم العناء والتعب نشفق عليهم ، فهذا أيضاً من احترام العلماء ومن الأدب معهم” انتهى باختصار.
7- وأخيرا ، يجب على الزائر أن يحفظ العالِم في غيبته ، فقد أكرمه في بيته ، وفتح له قلبه ، واستقطع له الوقت لمجالسته ، فلا يجوز أن يقابل ذلك بالإساءة أو النسبة إلى التقصير ، بل الشكر والامتنان ، أو العفو والصفح .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android