أعاني منذ وقت قليل من مخاوف عديدة ، وأولها هي : أني أخاف من الأمراض ، وخاصة من مرض السرطان ، فأجد نفسي أنظر إلى جسدي لا ألاحظ أشياء تدلني على أني مريضة ، أو أخاف بمجرد إحساسي بأي وجع ، وصل بي الحد إلى أني لا أصلي بخشوع ، ولا أستطيع التسبيح من كثرة الخوف والفزع الذي يمنعني من العيش ، أحب ربي ، وثقتي في كرمه وجوده ورحمته كبيرة ، لكني وبعد محاولات عديدة للتخلص من هذا : أجد نفسي أغرق .
أرجوكم ساعدوني بالدعاء لي بالصحة ، وهل هذا مرض نفسي ، أم وساوس من الشيطان ؟ وهل هناك أدعية للتخلص من الهموم ؟ .
ادعوا لي أرجوكم ، وحتى أهلي قلقون كثيراً عليَّ .
مصابة بمرض الخوف ، وينتابها الهم والغم ، فكيف تقي نفسها وتعالجها ؟
السؤال: 104532
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
اعلمي أن مصدر هذا التخويف لك هو الشيطان ، فعليك أن تستعيني بربك تعالى عليه ، وتحذري كيده ومكره ، وتكثري من الاستعاذة بالله تعالى منه .
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/ 175 .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
“أي : فإذا سوَّل لكم ، وأوهمكم : فتوكلوا عليَّ ، والجؤوا إليَّ ، فأنا كافيكم ، وناصركم عليهم ، كما قال تعالى : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) الزمر/ 36 – 38 ، وقال تعالى : ( فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ) النساء/ 76 ، وقال تعالى : ( أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) المجادلة/ 19 ، وقال تعالى : ( كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) المجادلة/ 21 ، وقال تعالى : ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) الحج/ 40 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) محمد/ 7 ، وقال تعالى : ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) غافر/ 51 ، 52” انتهى .
” تفسير ابن كثير ” ( 2 / 172 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
“وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده ، وأنه من لوازم الإيمان ، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله ، والخوف المحمود : ما حجز العبد عن محارم الله” انتهى .
” تفسير السعدي ” ( ص 157 ) .
ثانياً:
من جعل الله وليّاً له : لم يكن للشيطان عليه سبيل ، ومن تخلى عن ولاية الله فقد جعل الشيطان وليّاً له .
قال الله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) النحل/ 98 – 100 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
“أي : فإذا أردت القراءة لكتاب الله الذي هو أشرف الكتب ، وأجلُّها ، وفيه صلاح القلوب والعلوم الكثيرة : فإن الشيطان أحرص ما يكون على العبد عند شروعه في الأمور الفاضلة ، فيسعى في صرفه عن مقاصدها ، ومعانيها .
فالطريق إلى السلامة من شرِّه : الالتجاء إلى الله ، والاستعاذة به من شرِّه ، فيقول القارئ : ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” متدبراً لمعناها ، معتمداً بقلبه على الله في صرفه عنه ، مجتهداً في دفع وساوسه ، وأفكاره الرديئة ، مجتهداً على السبب الأقوى في دفعه ، وهو التحلي بحلية الإيمان ، والتوكل ؛ فإن الشيطان ( لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ ) أي : تسلط ( عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ ) وحده لا شريك له ( يَتَوَكَّلُونَ ) فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شرَّ الشيطان ، ولا يبقى له عليهم سبيل .
( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ ) أي : تسلطه ( عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ) أي : يجعلونه لهم وليّاً ، وذلك بتخليهم عن ولاية الله ، ودخولهم في طاعة الشيطان ، وانضمامهم لحزبه ، فهم الذين جعلوا له ولاية على أنفسهم ، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا ، وقادهم إلى النار قَوْدًا” انتهى .
” تفسير السعدي ” ( ص 449 ) .
ثالثاً:
علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم ما نقي به أنفسنا من الهموم والغموم ، وعلَّمنا ما نزيل به ما يصيبنا منهما .
أما الوقاية : فهي في الإيمان ، والعمل الصالح ، قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
وأما العلاج : فبالأدعية الثابتة في السنَّة النبوية ، ومنها :
1. عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) . رواه أحمد ( 3704 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح الترغيب ” ( 1822 ) .
2. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنتُ أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أسمعه كثيراً يقول : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ) رواه البخاري ( 2736 ) .
ضَلع الدَّين : غلبته وثقله .
3. عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ )رواه الترمذي ( 3427 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
يصاب الإنسان أحياناً بهموم وغموم ، فما الأشياء التي تزيل الهموم والغموم التي تصيب المسلم ؟ وهل يشرع أن يرقي الإنسان نفسه ؟ .
فأجاب :
“أولاً: يجب أن تعلم أن الهموم والغموم التي تصيب المرء : هي من جملة ما يُكفّر عنه بها ، ويُخفّف عنه من ذنوبه ، فإذا صبر واحتسب : أثيب على ذلك ، ومع هذا فإنه لا حرج على الإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة لزوال الهم والغم ، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه -وذكر الحديث المتقدم …. ، فإن هذا من أسباب فرج الهم والغم .
وكذلك قوله تعالى : ( لاَّ اله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ، فإن يونس عليه الصلاة والسلام قالها ، قال الله تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ ) ، ولا حرج أن يرقي الإنسان نفسه ، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه بالمعوذات عند منامه ، ينفث بيديه ، فيمسح بهما وجهه ، وما استطاع من جسده” انتهى .
” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 17 / جواب السؤال رقم 493 ) .
ولمزيد الفائدة انظري جواب السؤال (21677 ).
رابعاً:
الخوف مصدره الشيطان ، يمكر بك ، ويكيد لك ؛ ليصدك عن دين الله تعالى ، فيفسد عليك صلاتك ، وعموم طاعتك لربك تعالى ، فاحذري مكره ، وكيده ، وتوكلي على ربك تعالى أشد التوكل ، والجئي إليه ليصرف عنك كيد الشيطان وفتنته .
وحضور قلبك في صلاتك ، وخشوعك فيها مرجعه لقوة إيمانك ، وثقتك بربك تعالى ، وهو ما يعينك على صرف الموانع التي تحول بينك وبين الخشوع وحضور القلب في الصلاة .
وما يوسوس لك به الشيطان : فاصرفيه عنك ، ولا تستسلمي له ، فكيد الشيطان ضعيف ، ومن كان الله معه فهو منصور دائماً.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن ييسر لك الخير حيث كان .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة