أكتب لكم قصتي هذه ودموعي على خدي ، قصتي بدأت منذ أربع سنوات ، وبالتحديد حين كنت في السنة الأولى في الجامعة ، حيث تقدم ابن عمتي لأبي طالباً الزواج مني ، وحينها رفضت هذا الزوج ؛ نظراً لرغبتي الأولى والأهم ، وهي إكمال دراستي ، والسبب الآخر هو أن علاقة والدتي وعمتي ليست علاقة صافية ، حيث كانت تشوبها المشاكل ، والتي أثرت على علاقتي وإخواني بعمتي وأبنائها منذ صغرنا ، وقد قام والدي بعدة محاولات لإقناعي بالقبول ، ولكني رفضت وبكل شدة ، وبتأييد من والدتي وجميع إخواني ، وكذلك من بعض الأقارب , بعد ذلك قام والدي بالضغط عليَّ وإرغامي على الموافقة ، وكنت مستمرة في الرفض ، وعندها غضب مني والدي ، وربط موافقتي بإكمالي للدراسة حيث قال لي : إن رفضتِ الزواج : فلن تكملي دراستك ، وأصبح لا يكلمني لعدة أيام ، وحتى لا يريد النظر إليَّ ، عندها اضطررت إلى الموافقة على مضض ، وذلك حتى لا أخسر والدي ، والجامعة ، وتم عقد القران مع وجود شرط من والدتي بألا يتم الزواج قبل سنتين من تاريخ المِلكة ، ومن يوم الملكة لم أرَ زوجي ، وحتى لم يقم بالاتصال بي أو السؤال عني كأي زوجين يعيشان أحلى فترة وهي فترة المِلكة ، ومضت سنة وسنتان وثلاث وأربع ونحن على نفس الحال لم أرَ زوجي من يوم المِلكة ، وحتى كتابة هذه السطور ، وكذلك لم يتم تحديد موعد للزواج ، فأصبحت معلقة ، لا أدري ما هو مصيري ، أنا متزوجة بدون زوج ، وكان رد عمتي عند أي سؤال منا في هذه الفترة حول الزواج تقول : قريباً بإذن الله ، إلى أن تخرجت من الجامعة ، وحينها علمت عمتي برغبتي بالعمل ، أخبرتني بأن ابنها يرفض عمل المرأة ، ويجب ألا تعملي ، وبعد مناقشة لهذا الموضوع بوجود والدي ووالدتي وعمتي قالت عمتي لأبي : أنا سأخبرك بأني تعبت كثيرا لأقنع ابني بإتمام الزواج ، ولكنه رافض ، وطلبت من والدي بأن يقوم هو بإقناع ولدها بإتمام الزواج ، وحينها غضب والدي ، ورفض ، ولكنها قالت : بأنها ستقنعه ، وبعدها قام زوجي بالاتصال بي ، وكان يكلمني بدون نفس ، ويحاول استفزازي في المكالمة ، ولم أعرف ماذا يريد من هذا الاتصال ، وبعد عدة أيام اتصلت عمتي وأخبرتنا بأنها ستقوم باختيار قاعة لإقامة الزواج في الصيف ، وبعدها قام زوجي بمكالمتي مرة أخرى ، وأخبرني بأنه لا يحبني ، ولا يريدني ، ولكنه يريد الانتقام فقط ، ولا أعلم ما السبب في جعله يحمل كل هذه العداوة تجاهي ، عندها قررت أن أصارحه بالحقيقة – والتي هددني والدي بالقتل إن ذكرتها – وهي أني وافقت رغماً عني ، وعند علمه غضب بشدة ، وقال لي : لن أطلقك بعد 4 سنوات ضاعت من حياتي ، ولن أكون الضحية وحدي ، بل يجب أن تخسري أنت كذلك ، وسأتزوجك ، وأطلقك بعد شهر ، أو شهرين ، حتى تخسري أنت كذلك ، وإذا كنتِ لا تريدين مني الدخول عليكِ فلن أدخل ، وبعد يومين ، أو ثلاثة ، اتصلت عمتي ، وأخبرتنا بتحديد موعد الزواج ، وقمت وقتها بالاتصال على زوجي ، وبأملي الأخير بأن يطلقني ، وحاولت معه ، لكنه رفض بشدة بحجة الانتقام ، وعند إخباري لوالدي ووالدتي – والتي تغيرت من تأييدي إلى تأييد أبي خوفا من كلام الناس – بكلامه قالا لي : إن كل شيء سيتغير بعد الزواج ، كما قالا لي : بأن الناس سيتكلمون كثيراً إذا طلقك بعد 4 سنوات من الملكة ؛ حيث إن هم أهلي الأول والأخير هو كلام الناس وبدون تفكير في مصيري أنا ، وقد قام إخواني وبعض أقاربي بمحاولة إقناع والداي بعدم إتمام الزواج ، ولكن دون جدوى .
أنا الآن أرى الأيام تسير بسرعة ، ولا أستطيع فعل أي شيء في زواج أرى أنه فاشل ، ولن يستمر أبدا ، نظراً لكرهنا لبعضنا ، علما بأن الزواج تم تحديده في بداية شهر رجب .
آمل منكم إفادتي عن صحة هذا الزواج شرعيّاً ، خاصة إنني مرغمة ومجبرة على الموافقة ، وماذا يجب عليَّ فعله .
تزوجت مكرهة من والدها وزوجها يصر على الانتقام منها وعدم تطليقها
السؤال: 105301
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
قد أخطأ والدك خطأ بالغاً إذ أكرهك على الزواج بمن لا ترغبين ، وممارسته للضغوط عليكِ حتى توافقي على ابن عمتك أمر لا يرضى به الشرع ، ولا تترتب على ذلك الإكراه آثار الزواج الشرعي .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا ) . رواه مسلم ( 1421 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“المرأة لا ينبغي لأحدٍ أن يزوِّجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن كرهت ذلك : لم تُجبر على النكاح ، إلا الصغيرة البكر ، فإن أباها يزوجها ، ولا إذن لها ، وأما البالغ الثيب : فلا يجوز تزويجها بغير إذنها ، لا للأب ، ولا لغيره ، بإجماع المسلمين ، وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزوجيها بدون إذنها ، بإجماع المسلمين ، فأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها ، واختلف العلماء في استئذانها هل هو واجب أو مستحب ، والصحيح : أنه واجب ، ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به ، وينظر في الزوج هل هو كفؤ أو غير كفؤ ؛ فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته ، وليس له أن يزوجها بزوج ناقص لغرض له” انتهى .
” مجموع الفتاوى ” ( 32 / 39 ، 40 ) .
ثانياً:
إذا زوج الأب ابنته بدون رضاها ، فالنكاح غير لازم لها ، فإن شاءت ردَّت النكاح ، وإن شاءت أمضته .
بوَّب البخاري رحمه الله : ” باب إذا زوَّج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود ” .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ ، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رواه أبو داود ( 2096 ) وابن ماجه ( 1875 ) ، وصححه ابن القيم في ” تهذيب السنن ” ( 3/40 ) والألباني في ” صحيح أبي داود ” .
والذي ننصحك بفعله هو الإكثار من دعاء الله تعالى الذي يجيب المضطر إذا دعاه (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النحل/62 .
واستعيني بعقلاء أهلك : أعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك ونحوهم ويجب عليهم أن يتدخلوا وينصحوا أباك وينصحوا الزوج بأن يطلق .
فإن لم يفد ذلك فنرى أن ترفعي أمرك إلى القاضي الشرعي ، ونسأل الله تعالى أن يفرج كربك.
ثالثاً:
نوصي الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن يكف ظلمه عمن عقد عليها ، ونوصيه أن يسرحها بإحسان ، ولا ندري كيف يقبل مسلم أن يقبل الزواج بامرأة لا ترغب بالزواج منه ، ونذكر هذا الزوج بأن كل الذنوب يؤخرها الله إلا الظلم والعقوق ، وليعلم أنه سيتزوج عاجلاً أم آجلاً ، وأنه قد يرزق بنين وبنات ، فليحذر من أن يعاقبه الله في بناته بأن يتزوجها من يرغب بالانتقام منها أو من أهلها ، فيكون هذا ابتلاء لها وعقوبة له ، وليحذر من عقوبة الله له دنيا وأخرى ، فالظلم ظلمات يوم القيامة .
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ) . رواه مسلم ( 2577 ) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ). رواه البخاري ( 2315 ) ومسلم ( 2579 ) .
وقال بعض السلف : ” إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك “
ولله در الشاعر حين قال :
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يأتيك بالندم
تنام والمظلوم منتبه يدعـو عليك وعين الله لم تنـم
فتذكر أيها الزوج موقفك أمام الله ، يوم لا ينفع مال ولا بنون ، يوم يفر المرء من أخيه ، وأمه وأبيه ، يوماً كان مقداره خمسين ألف سنة ، يوماً يشيب منه الولدان ، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ، يوماً ينادي الملك الجبار خالق كل شيء : لمن الملك اليوم ؟ ولا مجيب ، فليس هناك مَلِكٌ إلا هو ، وليس هناك صاحب سلطان إلا هو عز وجل .
ونوص أباك وأهلك جميعاً أن يتقوا الله تعالى ولا يحملنهم الخوف من كلام الناس على ظلمك ، فإنهم مسئولون عن هذا الظلم يوم القيامة (كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ، وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)رواه البخاري (893) .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) رواه مسلم (142) .
وما يريده أبوك وأمك منك هو من الغش لك وعدم النصح ، فليحذروا من هذا الوعيد الشديد الوارد في هذا الحديث ، ونسأل الله تعالى أن يهدي أهلك ، ويفرج كربك .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب