هناك بعض المرضى يعانون من مرض يؤدي حتماً في مفهوم الطب إلى أن يكون صاحبه متخلفاً عقلياً ، بل قد يؤدي مرضه إلى أن يعيش حياة كلها أمراض ومشاكل ، وأقرب مثال هو : أمراض المخ والجهاز العصبي ، وقد يكون هذا المريض في داخل الرحم حيث تدل التحاليل الطبية مثلاً أن هذا الطفل سيولد معتوهاً بصورة يكون معها أتعاب لوالديه ، بالإضافة إلى ما يكون له هو في حياته .
وفي الغرب هناك فكرة معترف بها ، أنه من الأحسن أن لا يعالج هذا الطفل الأول ، بصورة جادة تماماً، يعني يعطى الفرصة ليموت بعكس لو كان طفلاً يؤدي علاجه إلى برئه تماماً ، وكذلك يجهض الطفل الثاني لينزل ميتاً ، بل قد يطلب الوالدان أحياناً هذا ، مدعين أنهم يريدون إراحة الطفل . فما حكم ذلك ؟
هل يترك علاج الأطفال المصابين بأمراض مستعصية؟
السؤال: 105469
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
“من الضروريات الخمس التي دلت نصوص الكتاب والسنة دلالة قاطعة على وجوب المحافظة عليها ، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها ـ حفظ نفس الإنسان ، وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين ، سواء كانت النفس حملاً قد نفخ فيه الروح ، أم كانت مولودة ، وسواء كانت سليمة من الآفات والأعراض وما يشوهها أم كانت مصابة بشيء من ذلك ، وسواء رجي شفاؤها مما بها أم لم يرج ذلك ، حسب الأسباب العادية وما أجري من تجارب ، فلا يجوز الاعتداء عليها بإجهاض إن كانت حملاً قد نفخ فيه الروح ، أو بإعطائها أدوية تقضي على حياتها وتجهز عليها طلباً لراحتها أو راحة من يعولها ، أو تخليصاً للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات ، والمشوهين والعاطلين ، أو غير ذلك مما يدفع الناس إلى التخلص ؛ لعموم قوله تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الإسراء/33 ، ولما ثبت من بيان النبي صلى الله عليه وسلم وتوكيده من قوله : (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه البخاري ومسلم ، وأن يحتسبوا في ذلك ، ولا يملوا من كثرة تردد المريض ولا تضيق صدورهم من طول أمد العلاج ، ولا ييأسوا من حسن العواقب ، فإن الأمور بيد الله يصرفها كيف يشاء ، ولا يمنعهم من ذلك استحكام الداء واستغلاق العلاج ، وتوقع الموت والهلاك ، فكم مريض استعصى داؤه واستفحل أمره فوهب الله له الشفاء ، وكم من مريض شخص داؤه وعرف دواؤه وأمل فيه الشفاء ، فواتته منيته رغم عناية معالجيه ، ولا تحملنهم المهارة في الطب وكثرة تجاربهم فيه على أن يجعلوا من ظنونهم حسب ما لديهم من أسباب : قطعاً ، وأن يجعلوا من توقعاتهم : واقعاً ، فكم من ظنون كذبت ، ومن توقعات أخطأت ، وليعلموا أنَّا وإن أُمرنا بالأخذ بالأسباب فالشفاء من الله وحده مسبب الأسباب ، وعلم الآجال إليه وحده ، لا يعلمها إلا هو ، وعلى ولي الأمر العام أن يهيئ وسائل العلاج من أطباء وأجهزة ومستشفيات ونحو ذلك ، فالجميع راع ومسؤول عن رعيته ، كل في حقله وميدانه بقدر ما آتاه الله من طاقة علمية ، أو مادية عملية ، كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليهم جميعاً أن يحسنوا فإن الله كتب الإحسان على كل شيء ، وهو سبحانه يحب المحسنين .
وليس لهم أن يتركوا العلاج ، ويهملوا فيه ، ويعرضوا عن الأخذ بأسباب الشفاء .
ولأن في وجود المتخلفين عقلياً والمعوقين وذوي الأمراض المزمنة من خير للعباد وذكرى وموعظة ودلالة على عظيم حكمة الله سبحانه وقدرته على ما يشاء ، وعظم نعمته على من سلم من هذه الأمراض ، فيشكره سبحانه ويلتزم طاعته .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم” انتهى بتصرف .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز … الشيخ عبد الرزاق عفيفي … الشيخ عبد الله بن غديان … الشيخ عبد الله بن قعود .
“فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء” (24/389) .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب