خُطبت أختي لشخص بدا عليه أول الأمر التدين والخلق الحسن ، ولكن في مدة الخطبة اكتَشَفَت أن كل ذلك ليس إلا قشرة خارجية ، ففضَّلت الانفصالَ عنه .
والآن تقدم لخطبتها شاب يظهر عليه الالتزام أيضا ، وهي لم يسبق لها رؤيته ، ولعدم الوقوع في نفس الخطأ ، فما هي الأسئلة التي من الواجب طرحها على الخاطب للتعرف عليه ومعرفة بواطنه لعدم الانخداع بمظهره ؟
كيف تعرف حال مَن تقدَّم لخطبتها ؟
السؤال: 105728
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
التحقق من الأهلية الخلقية والدينية في الخاطب أحد ركني الزواج الناجح ، إلى جانب الركن الثاني الذي هو التوافق العاطفي والميل القلبي ، ولعل صلاح الدين وحسن الخلق هو الركن الأهم ؛ لأن الخلق والدين أساس كل علاقة ناجحة ، وركن كل بيت سعيد ، وإن خلا من تمام المحبة والعاطفة .
فينبغي ـ لذلك ـ الاهتمام بهذا الركن إلى الغاية الممكنة ، والاستعانة بالله عز وجل في اختيار الأصلح والأنفع .
ويمكننا أن نتأمل معك – أختنا السائلة – بعض الوسائل التي يستعان بها في تحقيق هذا الجانب :
1- سؤال أصحاب المتقدم وأصدقائه الملازمين له :
وهي أهم طريقة في تقديرنا للتوصل إلى تصور متكامل عن شخصية الخاطب ، ولكن ينبغي التنبه إلى ضرورة كون الأسئلة التي توجه لهم أسئلةً محددةً وليست مجملةً ، ونعني بذلك أن يكون السؤال عن كرمه – مثلا – بطلب تعيين تقديره بالنسبة لهذا الخُلق ، وكذلك حين السؤال عن حلمه أو عن تسامحه أو غيرها من الأخلاق والصفات المحددة التي تهم الفتاة المخطوبة ، وأما الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس هو أنهم يسألون عن الخاطب أسئلة مجملة ، عن رأي أصدقائه فيه من حيث الإجمال ، ولا يؤدي ذلك إلا إلى صورة مبهمة غالبا ما تؤثر فيها عاطفة الأصدقاء نحو بعضهم ، فيبدأ بالثناء العام على صديقه ، ولا تتوصل المخطوبة إلى تفاصيل الشخصية المتقدمة .
والتوسع في الجلوس مع أصدقائه ، وطلب حكاية تفاصيل مواقفهم معه في حياتهم ، وما تحمله ذكرياتهم عنه مهمٌّ أيضا ، وذلك يعني ضرورة التأني في السؤال ، وأخذ الفرصة الكافية للبحث عمن يملك الإجابات المقنعة التي جاءت بسبب الصحبة والعشرة ، وليست فقط بسبب معرفة عامة أو جوار أو قرابة بعيدة .
بل إن النظر في أخلاق أصدقائه الملازمين له وإخوانه وأهل بيته مؤشر مهم على أخلاقه هو ، فالمرء على دين خليله ، والمثل القديم يقول : قل لي من تصاحب ، أقل لك من أنت .
ولكن لا ينبغي الاكتفاء بهذا المؤشر بدلا من السؤال المباشر .
وأنت خبيرة ، أختنا الكريمة ، أن الذي يقوم بهذه المهمة ، ليست هي العروس ، بل هو وليها ، أو أحد الثقات الذين توكلهم في ذلك ، من محارمها ، ومن يعنيه أمرها من الثقات .
2- التفتيش العملي عن حاله :
بالنظر في حضوره الجمع والجماعات ، وحلق العلم ، ومجالس الخير ، والبحث عن إحسانه إلى الناس ، ومشاركته لهم أفراحهم وأحزانهم ، واختبار درجة حلمه وصبره بالمواقف العملية المباشرة معه إن أمكن ذلك من غير تكلف .
3- مجالسته من قبل أولياء الفتاة والحديث معه : ليروا عن قرب طريقة تفكيره وسعة أفقه ودرجة ثقافته ورجاحة عقله واتزان منطقه .
وتطبيق هذه الوسائل يحتاج إلى شيء من الاجتهاد من قبل ولي أمر الفتاة ، الذي تقع على كتفه عبء هذه المسؤولية بكاملها ، أو من يثق فيه من أهل أو ولد ؛ وهو إذا استشعر عظم المسؤولية التي يتحملها في اختيار الزوج المناسب لموليته ، هانت عليه هذه المصاعب ، وتحمَّلَ في سبيل أداءِ الأمانة تلك المتاعب .
أما الاكتفاء برؤية الخاطب محافظا على الصلوات في المساجد ، أو متزينا بزينة الالتزام والوقار ، فخطأ فادح يؤدي إلى الفشل ، لأنهم سرعان ما يكتشفون أن كثيرا من الناس يهتمون بالمظاهر على حساب الحقائق والبواطن ، ويلتفتون في تدينهم إلى أداء الفرائض دون الحرص على تنمية الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، وهو مرض يعاني منه كثير من الناس اليوم .
يقول الشيخ ابن عثيمين في “فتاوى نور على الدرب” (فتاوى النكاح/اختيار الزوج أو الزوجة):
” مقدمة ونصيحة نوجهها إلى أولياء الأمور في تزويج النساء ، إنه من المعلوم أن ولي المرأة يجب عليه أداء الأمانة ، بحيث لا يزوجها مَنْ لا يرضى دينه حتى وإن رغبته المرأة ؛ لأن المرأة قاصرة في عقلها وتفكيرها ، فقد تختار لنفسها من لا يرضى دينه لإعجابها بصورته ، أو لإعجابها بفصاحته أو تملقه أو ما أشبه ذلك ، وفي هذه الحال لوليها أن يمنعها من نكاحها بهذا الخاطب ” انتهى .
ويقول أيضا :
” التحري عن الشخص الخاطب واجب وجوباً مؤكداً ، لا سيما في هذا الوقت الذي التبس فيه الطيب بالخبيث ، وكثر فيه التزوير والوصف الكاذب ، وكثر فيه شهادة الزور ، فإنه قد يوجد من الخطّاب من يتظاهر بالصلاح والاستقامة وحسن الخلق وهو على خلاف ذلك ، وقد يزوّرُ زيادة على مظهره ، يزور على المخطوبة وأهلها بأنه مستقيم وذو خلق ، وقد يؤيد من أهله على ما زور ، وقد يأتي شاهد آخر من غير الأهل فيشهد له بالصلاح والاستقامة ، فإذا حصل العقد تبين أن الأمر على خلاف ذلك في دينه وخلقه ، ولهذا أرى أنه يجب التحري وجوباً مؤكداً ، وأن يكون التحري بدقة ، ولا يضر إذا تأخرت الإجابة عشرة أيام أو عشرين يوماً أو شهراً ، ليكون الإنسان على بصيرة ، فإذا تبين أن الخاطب على الوصف المرغوب فيه وأنه ممن يرضى دينه وخلقه فليزوج ، ولا يجوز لأحد أن يعترض رغبة المخطوبة في مثل هذا الرجل بأي حجة كانت ” انتهى .
نسأل الله تعالى لنا ولكم الهداية لأحسن الأخلاق والأعمال فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو ، وأن يصرف عنا وعنكم سيئ الأخلاق والأعمال فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا هو سبحانه وتعالى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب