قال واحد من العلماء المسلمين في المدينة التي أسكن بها : إن الإمام ابن حجر ، والإمام النووي مبتدعان ، وساق بعض الأدلة من “فتح الباري” لتبرير رأيه ، وأعطى مثالاً على ذلك بشرح الإمام ابن حجر للمقصود بوجه الله أنه رحمته ، ما رأيكم ؟
موقف علمائنا من الحافظين ابن حجر والنووي رحمهما الله
السؤال: 107645
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أهل السنَّة والجماعة منصفون في الحكم على الآخرين ، لا يرفعون الناس فوق ما يستحقون ، ولا ينقصون قدرهم ، ومن الإنصاف بيان خطأ المخطئ من أهل العلم والفضل ، والتأول له ، والترحم عليه ، كما أن من الإنصاف التحذير من خطئه ؛ لئلا يغتر أحد بمكانته فيقلده فيما أخطأ فيه ، وأهل السنَّة لا يتوانون عن الحكم على المخالف المتعمد للسنَّة بأنه مبتدع ضال .
وقد وُجد في زماننا هذا من نال من الإمامين ابن حجر والنووي ، فحكم عليهما بأنهم مبتدعة ضالون ! ، وبلغت السفاهة ببعضهم أن قال بوجوب إحراق كتابيهما “فتح الباري” و “شرح مسلم ” ! .
وليس معنى هذا أنهما لم يخطئا في مسائل من الشرع ، وبخاصة في باب صفات الله تعالى ، وقد علَّق عليها علماؤنا ، وبينوها ، وردوا عليهما ، مع الترحم عليهما ، والثناء بما يستحقانه ، والدعاء لهما ، والوصية بالاستفادة من كتبهما ، وهذا هو الإنصاف الذي عُرف به أهل السنَّة والجماعة ، بخلاف من بدَّعهما ، وضلَّلهما ، وقال بإحراق كتبهما ، وبخلاف من استدل بكلامهما كأنه شرع منزَّل ، وجعل ما يعتقدانه هو الحق الذي لا ريب فيه ، وسنذكر ما يتيسر من كلام علمائنا ليقف المسلم على الإنصاف ، والعلم ، والحكم بالعدل على هذين الإمامين .
1- سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما هو موقفنا من العلماء الذين أوَّلوا في الصفات ، مثل ابن حجر ، والنووي ، وابن الجوزي ، وغيرهم ، هل نعتبرهم من أئمة أهل السنَّة والجماعة أم ماذا ؟ وهل نقول : إنهم أخطأوا في تأويلاتهم ، أم كانوا ضالين في ذلك ؟
فأجابوا :
” موقفنا من أبي بكر الباقلاني ، والبيهقي ، وأبي الفرج بن الجوزي ، وأبي زكريا النووي ، وابن حجر ، وأمثالهم ممن تأول بعض صفات الله تعالى ، أو فوَّضوا في أصل معناها : أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم ، فرحمهم الله رحمة واسعة ، وجزاهم عنا خير الجزاء ، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير ، وأنهم أخطأوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السنة رحمهم الله ، سواء تأولوا الصفات الذاتية ، وصفات الأفعال ، أم بعض ذلك .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن قعود
“فتاوى اللجنة الدائمة” (3/241) .
2- وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة ، كالأسماء والصفات ، وغيرها ، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة ، فما حكم الترحُّم عليهم ؟ .
الشيخ : مثل مَن ؟ .
السائل : مثل : الزمخشري ، والزركشي ، وغيرهما .
الشيخ : الزركشي في ماذا ؟ .
السائل : في باب الأسماء والصفات .
فأجاب :
“على كل حال ، هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة ، كالمعتزلة مثلاً ، ومنهم الزمخشري ، فالزمخشري مُعتزلي ، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم : حَشَوِية ، مُجَسِّمة ، ويُضَلِّلهم فهو معتزلي ، ولهذا يجب على مَن طالع كتابه “الكشاف” في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات ، لكنه من حيث البلاغة ، والدلالات البلاغية اللغوية جيد ، يُنْتَفع بكتابه كثيراً ، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً ، لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير ، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع ، لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع ؛ مثل ابن حجر العسقلاني ، والنووي رحمهما الله ، فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تامّاً مطلقاً من كل وجه ، حتى قيل لي : إن بعض الناس يقول : يجب أن يُحْرَقَ ” فتح الباري ” ؛ لأن ابن حجر أشعري ، وهذا غير صحيح ، فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه ، ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته – ولا أَتَأَلَّى على الله – قد قبلها : ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس ، لدى طلبة العلم ، بل حتى عند العامة ، فالآن كتاب ” رياض الصالحين ” يُقرأ في كل مجلس , ويُقرأ في كل مسجد ، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً ، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب ، كلٌّ ينتفع به في بيته ، وفي مسجده ، فكيف يقال عن هذين : إنهما مبتِدعان ضالان ، لا يجوز الترحُّم عليهما ، ولا يجوز القراءة في كتبهما ! ويجب إحراق ” فتح الباري ” ، و ” شرح صحيح مسلم ” ؟! سبحان الله ! فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال ، وبلسان المقال :
أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا
من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان ، إلا أن يشاء الله ، فأنا أقول : غفر الله للنووي ، ولابن حجر العسقلاني ، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين ، وأمِّنوا على ذلك ” انتهى .
“لقاءات الباب المفتوح” (43/السؤال رقم 9) .
3- وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :
لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع ، فقال بعضهم : هو من قال أو فعل البدعة ، ولو لم تقع عليه الحجة ، ومنهم من قال لابد من إقامة الحجة عليه ، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصلوا أصولهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي ، وعدم الترحم عليهم ؟
فأجاب :
” أولاً: لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق ؛ لأن ذلك أمر خطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع ، وأيضاً هذا يُحدث العداوة والبغضاء بينهم ، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم ، وكف ألسنتهم عما لا فائدة فيه ، بل فيه مضرة عليهم ، وعلى غيرهم .
ثانياً: البدعة : ما أحدث في الدين مما ليس منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) – رواه البخاري – ، وإذا فعل الشيء المخالف جاهلاً : فإنه يعذر بجهله ، ولا يحكم عليه بأنه مبتدع ، لكن ما عمله يعتبر بدعة .
ثالثاً: من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره ، كابن حجر ، والنووي ، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات : لا يُحكم عليه بأنه مبتدع ، ولكن يُقال : هذا الذي حصل منهما خطأ ، ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما إمامان جليلان ، موثوقان عند أهل العلم ” انتهى .
“المنتقى من فتاوى الفوزان” (2/211 ، 212) .
4- وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :
” مثل النووي ، وابن حجر العسقلاني ، وأمثالهم ، من الظلم أن يقال عنهم : إنهم من أهل البدع ، أنا أعرف أنهما من ” الأشاعرة ” ، لكنهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنَّة ، وإنما وهِموا ، وظنُّوا أنما ورثوه من العقيدة الأشعرية : ظنوا شيئين اثنين :
أولاً: أن الإمام الأشعري يقول ذلك ، وهو لا يقول ذلك إلاَّ قديماً ؛ لأنه رجع عنه .
وثانياً: توهموه صواباً ، وليس بصواب .
انتهى من (شريط رقم 666) “من هو الكافر ومن هو المبتدع “.
فرحم الله الإمامين : النووي وابن حجر ، وغفر لهما ما أخطآ فيه .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب