0 / 0

التخصصات في العلوم والفنون ، حاجة الأمة لها ، وضوابط وفوائد فيها

السؤال: 110419

في ظل ما نعيشه في هذا الزمان المتسارع ، وما تمر به الأمة من فتن وبلايا ، وما يتمناه كل مسلم من رفع الغمة عن الأمة ، ويحاول أن يقدِّم لها ما يرفع من مستواها ، وإيماننا بالتخصص ، وأهميته ، وكيف يكون بسبب تلك الأدوار الرقي بالأمة في شتى مجالاتها ، سؤالي : ما هي أهم التخصصات سواءً العامة أو الدقيقة التي تحتاجها الأمة خلال المرحلة القادمة ، أو كنظرة إستراتيجية خلال 20 سنة ؟ وما هي الكتب أو المواقع التي تكلمت في هذا الموضوع واستشرفت المستقبل ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ينتظم الكلام عن التخصص في الدراسات التي تحتاجها الأمة الإسلامية في مسائل وأحكام ، منها :
1. لا شك أن الأمة الإسلامية تحتاج من أبنائها أن يكونوا قادة العالَم في العلوم النظرية والعملية ، وأن لا يكونوا عالَة على غيرهم من الأمم ، والإسلام دين العلم ، بدأ الله تعالى وحيه لنبيه صلى الله عليه وسلم بكلمة ( اقرأ ) ، وحثَّ على العلم ، ورفع من شأنه ، وأوجب تعلم العلوم التي تحتاجها أمة الإسلام وجوباً كفائيّاً .
2. ونوصي أن يكون أصحاب الاختصاص ممن لهم ميل لهذا العلم ، وذاك التخصص ، فمن المعلوم أن المسلمين يتفاوتون فيما بينهم في الميل نحو علوم دون أخرى ، ومن الأفضل أن نحث كل واحدٍ منهم نحو ما يميل له من العلوم ، لا أن نجبره على تعلم شيء لا يرغبه ، فضلاً عن المنع من إجباره نحو ما يكره .
وهذه المسألة عالجها أئمة الإسلام قديماً وحديثاً ، بل إنهم أوصوا بها أن تنمَّى مع الطفل في صغره ، دون الحاجة للانتظار لأن يكبر حتى يوجه لهذا العلم .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
ومما ينبغي أن يعتمد : حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها ، فيعلم أنه مخلوق له : فلا يحمله على غيره ، ما كان مأذوناً فيه شرعاً ؛ فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له : لم يفلح فيه ، وفاته ما هو مهيأ له ، فإذا رآه حسن الفهم ، صحيح الإدراك ، جيِّد الحفظ ، واعياً : فهذه من علامات قبوله ، وتهيؤه للعلم لينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً ؛ فإنه يتمكن فيه ، ويستقر ، ويزكو معه .
وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه ، وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب ، والرمي ، واللعب بالرمح ، وأنه لا نفاذ له في العلم ، ولم يُخلق له : مكَّنه من أسباب الفروسية ، والتمرن عليها ؛ فإنه أنفع له ، وللمسلمين .
وإن رآه بخلاف ذلك ، وأنه لم يُخلق لذلك ، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع ، مستعداً لها ، قابلاً لها ، وهي صناعة مباحة نافعة للناس : فليمكِّنه منها .
هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه ؛ فإن ذلك ميسر على كل أحد لتقوم حجة الله على العبد ، فإن له على عباده الحجة البالغة ، كما له عليهم النعمة السابغة .
” تحفة المودود في أحكام المولود ” ( ص 243 ، 244 ) .
ومن تأمل في حال الصحابة ، ورأى تربية النبي صلى الله عليه وسلم لهم : علم مدى مطابقة ما قلناه لواقعهم رضي الله عنهم ، فقد كان منهم العالِم الفقيه ، ومنهم القارئ ، ومنهم المجاهد ، ومنهم الشاعر ، وكلٌّ يؤدي ما يتقنه ، ويساهم في بناء الدولة ، وكما يكون الدفاع عن الإسلام بالمناظرة والحجة : فإنه يكون بالسيف والرمح ، ولكل واحدٍ من هذه الفنون أهلها وأربابها ، وقد اشتركوا جميعاً في معرفة الإسلام ، ولم ينافِ ذلك أن يكون متخصصاً في فن ، أو صنعة .
3. يجب التفريق بين الرجال والنساء في التوجه نحو الاختصاص في العلوم والفنون ، فما يصلح للرجال ليس بالضرورة أن يصلح كله للنساء ، فالعلوم الصناعية الثقيلة ، والسياسية ، والعسكرية لا تليق بالمرأة ، ومما يليق بها وتشترك فيه مع الرجال : العلوم التربوية ، والصناعية الخفيفة ، والعلوم الطبية – وتختص عن الرجل بتوجيهها نحو طب النساء – .
4. ولا يجوز للرجال ولا للنساء مخالفة شرع الله تعالى في دراسة التخصصات ، وتعلمها ، فعليهم تجنب الاختلاط ، والسفر لدول الكفر ، وسفر المرأة وحدها دون محرمها ، ومن المخالفات الشرعية في ذلك : الذهاب لبلاد الكفر للدراسة مع وجود هذا العلم والتخصص في بلاد المسلمين .
وإذا احتاجت الأمة الإسلامية لعلم ضروري فينبغي أن يُحسن اختيار من يقوم به ، لا أن يفتح الباب على مصراعيه للجميع ، فيذهب للبلاد الكافرة الشاب المراهق الأعزب ، والضعيف في علمه الشرعي ؛ لأن هذا أدعى لوقوعه في الفتنة ، ونكون خسرناه وخسرنا ما ذهب من أجله ، ولم نستفد شيئاً .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
” إذا اقتضت الضرورة ابتعاث بعض الطلاب إلى الخارج ؛ لعدم وجود بعض المعاهد الفنية المتخصصة لا سيما في مجال التصنيع وأشباهه : فأرى أن يكوَّن لذلك لجنة علمية أمينة لاختيار الشباب الصالح في دينه وأخلاقه ، المتشبع بالثقافة والروح الإسلامية , واختيار مشرف على هذه البعثة ، معروف بعلمه ، وصلاحه ، ونشاطه في الدعوة ليرافق البعثة المذكورة , ويقوم بالدعوة إلى الله هناك , وفي الوقت نفسه يشرف على البعثة , ويتفقد أحوالها ، وتصرفات أفرادها , ويقوم بإرشادهم وتوجيههم , وإجابتهم عما قد يعرض لهم من شبه ، وتشكيك ، وغير ذلك .
وينبغي أن يُعقد لهم دورة قبل ابتعاثهم ، ولو قصيرة ، يدرَّسون فيها جميع المشاكل ، والشبهات ، التي قد تواجههم في البلاد التي يُبتعثون إليها , ويُبين لهم موقف الشريعة الإسلامية منها , والحكمة فيها ، حسب ما دل عليه كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم , وكلام أهل العلم ، مثل أحكام الرق , وتعدد الزوجات بصفة عامة , وتعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة , وحكم الطلاق , وحكمة الجهاد ابتداءً ودفاعاً ، وغير ذلك من الأمور التي يورد ها أعداء الله على شباب المسلمين حتى يكونوا على استعداد تام للرد على ما يعرض لهم من الشبه.
” مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 1 / 386 – 388 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
إذا كان الواقع كما ذكر من أن التخصص الذي تدرسه موجود في بلدك الإسلامي ، وأن الدراسة في الخارج مشتملة على مفاسد كثيرة في الدين والأخلاق وعلى الزوجة والأولاد – فإنه لا يجوز لك السفر لهذه الدراسة ؛ لأنها ليست من الضرورات ، مع وجودها في بلدك الإسلامي ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في التحذير من الإقامة في بلاد الكفار من غير مسوغ شرعي ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم : ” أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين ” وغيره من الأحاديث ، وما وقع فيه بعض المسلمين من السفر إلى بلاد الكفار من غير ضرورة هو من التساهل الذي لا يجوز في دين الله ، وهو من إيثار الدنيا على الآخرة ، وقد قال الله جل وعلا : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) سورة الأعلى ، الآيتان ( 16، 17) ، وقال سبحانه : ( قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) سورة النساء ، الآية : (77) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من كان همه الآخرة جمع الله شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له .
الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله الغديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 26 / 93 – 96 ) .
5. وأخيراً : فإن العلوم كثيرة ، وفي كل علم وفن تخصصات ، فالطب تخصصاته كثيرة ، والعضو الواحد من الجسد يكون فيه تخصصات ، والأمة الإسلامية تحتاج لكل العلوم والفنون المباحة ، من الطب ، والهندسة ، والفيزياء ، والكيمياء ، وعلوم الذرة ، والنووي ، والعلوم العسكرية ، والصناعات الثقيلة ، وغير ذلك من العلوم والفنون ، على أن يكون ذلك بحسن اختيار ، ولمقصد شرعي أو مباح ، مع الالتزام بالشرع أثناء تحصيله ، ومع تحصيل قدرٍ كافٍ من العلوم الشرعية .
ولا نعلم – الآن – كتاباً معيَّناً نحيلك عليه .
ونسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين لما يحب ويرضى ، وأن يكتب لهم العز والتمكين .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android