فإني أود أولاً أن أوجه الشكر لكل القائمين على هذا العمل ، راجياً الله أن يكون في ميزان حسناتهم ، اللهم آمين .
متزوج منذ 3 سنوات ، ولدي طفلتان ، عمرهما ( سنتان / 6 شهور ) ، وتأتى عليَّ الكثير من الأوقات لا أطيق زوجتي ، رغم زواجنا عن حب ( أدعو الله ليل نهار أن يغفر لي ولها هذه العلاقة ) ؛ وذلك للاختلاف التام بيني وبينها ، من حيث النشأة ، والتربية ، والتفكير ، والطباع ، أفكر كثيراً في أن أطلقها ، ولكن أفكر في عدة أمور ، منها : أني مأجور – بإذن الله – على صبري عليها ، وأنها يتيمة لا يوجد لها عائل سواي ، والأهم من هذا كله – وهو ما يثنيني فعلا في أضيق الأوقات ذرعا بها – أن الله رزقني بنات ، وإذا تركتهم لها لن يربوا التربية التي ترضي الله ورسوله ( ليس انحرافاً – والعياذ بالله – ولكن ليس بالالتزام المطلوب ) ، وهذا التفكير يجعل بدني يقشعر حيث إني محاسب عليهم أمام ربى ، تأتي عليَّ الأوقات التي لا أطيق فيها العيش معها ، ليس لضعف بي – والحمد لله – حيث إن الكل يشهد لي بقوة الشخصية والشكيمة ، خاصة معها ! ولكن لاختلاف طباعها ، وتفكيرها ، وقد حاولت مراراً وتكراراً أن أفهمها العلاقة السليمة بين الزوج والزوجة، إلا أنها بعد فترة تعود لما كانت عليه.
السؤال :
ماذا يجب عليَّ أن أفعل ؟ وهل إذا لم أطق العيش معها وطلقتها وضمت الطفلتين أكون محاسباً عن الخلل في تربيتهما ؟ .
تختلف طباعها عن طباعه وتفكيرها عن تفكيره فهل يطلقها ؟
السؤال: 110762
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
لا يمكن تخيل حياة زوجية دون مشكلات فيها ، وهذه أشرف بيوت على وجه الأرض وهي بيوت الأنبياء انظر كم فيها من اختلاف ، فإن شئت ذكَّرناك ببيت أبينا إبراهيم عليه السلام وخلافه مع والده ، أو بيت نوح وخلافه فيه مع زوجته وابنه ، أو بيت لوط عليه السلام وخلافه فيه مع زوجته .
وإن شئتَ ذكَّرنا ببيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكم حصلت فيه من مشكلات حتى وصل الحال بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يهجر نساءه شهراً كاملاً ، ويعتزل في المسجد ! .
لا تخلو بيوت المسلمين من هذه المشكلات ، وهي تقل بحسب رجحان عقل الزوج ، وقوة شخصيته ، وحكمته في معالجة الأمور ، وتكثر بحسب تهور الزوج ، وشدته ، وغلظته .
ولا يوجد زوجة تطابق ما في مخيلة زوجها من صفات الكمال البشرية ، بل لا بدَّ من النقص والقصور ، وعلى الزوج تحمل ذلك إن أراد أن تستقيم حياته ، ولن يكون استمتاع بينه وبينها إلا على عوَج ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانياً:
قبل أن تقرر الطلاق : نرجو منك التأمل سريعاً في هذه النقاط :
1. قد تكون أنت السبب في أخطاء زوجتك ، إما بسوء خلقك في تعاملك معها ، أو بمعاصٍ ترتكبها ، ويكون ما يصدر منها عقوبة لك عليها ، فقف على السبب ، وأصلح حالك مع ربك تعالى بالطاعة وترك المعصية ، ومع زوجتك بتوفير سبل الهداية من الصحبة الصالحة ، وسماع المحاضرات النافعة ، وبتعليمها حقوق الزوج عليها ، وسترى أثر ذلك قريباً إن شاء الله .
2. وإذا كنتَ على علاقة غير شرعية مع زوجتك قبل الزواج – ونحمد الله أن وفقك للتوبة منها – ويزعمون أنهم في هذه العلاقة يتعرف بعضهم على بعض ! ويخططون لحياة مستقبلية سعيدة : فأنت إذن من بنى هذا البيت ، وأنت من اختار شريكة حياته ، فما الذي سيتغير في زواجك الثاني ؟! سيجمعك الزواج الجديد بامرأة جديدة ، وقد يكون لها من الصفات والأخلاق ما هو أسوأ من الأولى ، فأصلح الأولى واصبر عليها فهو أفضل لك .
ولتعلم ـ أيها الأخ الكريم ـ أنه إذا كان الذي ينفرك من امرأتك قلة عقلها ، وضعف تفكيرها ، فاعلم ـ يا عبد الله ـ أن النساء كلهن كذلك : ناقصات العقل ؛ وربما كان ذلك ممدحة لهن في كثير من الأحوال ، وكم رأينا وسمعنا من يشتكي من امرأته المتعبة المجادلة في كل صغير وكبير ، والتي تضع رأسها برأس زوجها في البيت ؛ أفتريد رجلا آخر يا عبد الله ؟!
3. في كثيرٍ من الأحيان يصبر الزوج العاقل على تصرفات زوجته الحمقاء من أجل أولاده ، فهو لا يريد لهم التشتت والضياع ، ويريد لهم التوفيق والرشاد ، وهذا لا يكون – البتة – في الطلاق ، فيصبر على زوجته رجاء أن يكون بقاؤه في بيت الزوجية سبب إصلاح لأولئك الأولاد .
5. وقبل أن تطلِّق عليك التفكير في آثار هذا الطلاق ، ومن تلك الآثار :
أ. قلة أو انعدام فرص تزوج امرأتك من آخر ، بسبب أنها مطلقة ، وأنها ذات أولاد ، ولا يخفاك ما يمكن أن يترتب على هذا الأمر .
ب. تشتت الأولاد ، وضياعهم ، فطاقتهم البدنية ستضيع في التنقل بيت بين أمهم وبيت أبيهم ، وطاقتهم الذهنية ستضيع في التفكير في حال والديهم ، وطاقتهم العاطفية ستجف أو تخف بسبب فقدانهم لحنان الأم المحلى بقوة شخصية الأب .
وقد أحسنتَ جدّاً في جعل هذا الأمر مما يثنيك عن الطلاق ، والحقيقة أنهم سبب مهم ، وأن وجود مثل هؤلاء الأولاد في المجتمعات إنما هو نذير شرٍّ ، فلا تهدم بناءك ، وتشتت أولادك بأمرٍ يمكنك المبادرة بإصلاحه دون هدمه .
إننا نوافقك كل الموافقة على أن التفكير في مصير أولادك ، ومسئوليتك عنهم أمام الله عز وجل ، بل ومصير هذه الزوجة اليتيمة ، أم أولادك ، جدير بأن يردك عن التفكير في الطلاق .
ثالثاً:
ما ذكرناه لك من الصبر عليها من أجل إصلاح حالها ، أو من أجل أولادك : لا يجيز لك إساءة عشرتها ، والوصية لك : إما أن تمسكها بمعروف ، أو تسرحها بإحسان .
ولتتذكر ـ أخيرا ـ وصية نبيك الكريم ، صلى الله عليه وسلم ، وأدبه لك :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) رواه مسلم (1469) .
قال النووي رحمه الله : ( أَيْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضهَا , لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَه ، وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا، بِأَنْ تَكُون شَرِسَة الْخُلُق لَكِنَّهَا دَيِّنَة أَوْ جَمِيلَة أَوْ عَفِيفَة أَوْ رَفِيقَة بِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ ).
والله الموفق.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب