0 / 0

هل ننصحه بالسفر لبلاد الكفر ليتقوَّى ماديّاً ويرجع لبلده المسلم ؟

السؤال: 111131

أنا أقيم في بلد عربي ، والحالة المعيشية لنا لا تمكننا من بناء أسرة في ظل الفساد الخلقي الحاصل عندنا ، إذ إنه من شبه المستحيلات أن نوفر مسكناً للزواج ، والاستقرار في وقت كثر فيه الفحش ، والعري ، والإباحيات ، وغلاء الأسعار ، والكثير من الشباب يهاجر إلى أوروبا أو أمريكا لمواصلة الدراسات العليا ، والعمل ، والزواج ، لتحسين ظروفنا المعيشية ، والعودة بعد تكوين أنفسنا ماديّاً ، ودراسيّاً للاستقرار في بلداننا ، أو في البلدان العربية .
هل يعتبر هذا من عدم التوكل على الله ؟ أم أنه من باب الأخذ بالأسباب ؟ .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
يجب على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله تعالى قد قدَّر عليه رزقه في الأزل ، وأنه تعالى أمر ملائكته أن يكتبوا رزقه وهو في بطن أمه ، وعليه أن يعتقد أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقها الذي قدَّره الله لها ، كما تستوفي أجلها الذي كتبه الله لها ، وبذلك جاءت النصوص النبوية الواضحة كما سيأتي .
ثانياً :
ننبه في هذا السياق إلى أمور غاية في الأهمية ، منها :
1. ما قلناه آنفاً لا ينافي الأخذ بالأسباب في تحصيل الرزق ، والمسلم مأمور ببذل الأسباب التي تأتي له بالمال ، لكن لا ينبغي له الاتكال على هذه الأسباب وجعلها مسبِّبات للرزق ! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“فالالتفات إلى الأسباب : شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً : نقصٌ في العقل ، والإعراض عن الأسباب المأمور بها : قدحٌ في الشرع ، فعلى العبد أن يكون قلبُه معتمداً على الله ، لا على سبب من الأسباب ، والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة ، فإن كانت الأسباب مقدورة له ، وهو مأمور بها : فعَلَها مع التوكل على الله ، كما يؤدي الفرائض ، وكما يجاهد العدو ، ويحمل السلاح ، ويلبس جنَّة الحرب (الدرع) ، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد ، ومَنْ تَرَكَ الأسباب المأمور بها : فهو عاجز ، مفرِّط ، مذموم” انتهى .
” مجموع الفتاوى ” ( 8 / 528 ، 529 ) .
2. لا يجوز للمسلم سلوك الطرق المحرَّمة في تحصيل المال .
3. لا ينبغي للمسلم أن يعيش مع همِّ الرزق ، وهمِّ تأمين المستقبل لأولاده – كما يقول كثيرون – ، وينذر حياته من أجل هذا الأمر ، ومثل هذا الأمر فيه مفسدتان :
أ. أنه يدل على خلل في اعتقاده بأن رزقه مكتوب لا ريب فيه .
ب. أنه قد يجعله يرتكب المحرَّمات من أجل تحصيل المال ، كأن يأخذ المال بالربا ، أو يعمل في أماكن لا يحل له العمل بها .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل يعتبر قول المرأة العاملة أو اعتقادها : ( أنها تعمل من أجل أن تؤمِّن مستقبلها ، ومستقبل أبنائها فيما لو طلقت أو توفي زوجها ، فهي لا تدري ما تأتي به الأيام من أمور ) : هل يعتبر هذا من القدح في عقيدة القضاء والقدر لدى المسلم ؟ .
فأجابوا :
“المسلم يؤمن بقضاء الله وقدره ، وأن الله كتب رزقه عند نفخ الروح فيه وهو في بطن أمه ، وأن رزقه آتيه لا محالة ؛ لما ثبت عن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه – إلى قوله – : ثم يبعث الله ملكا بأربع كلمات ، فيكتُب عملَه وأجلَه ورزقَه وشقي أو سعيد ) الحديث – متفق عليه – ؛ ولما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس اتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها ، وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ) رواه ابن ماجه في ” سننه ” ( ج 2 ص 725 ) ، ورواه ابن حبان في ” صحيحه ” .
واعتقاد ذلك والإيمان به لا ينافي أن يسعى الإنسان في طلب الرزق ، وبذل الأسباب المشروعة في ذلك ، مع عدم الاعتماد عليها ، والاعتقاد بأن الرازق ، والنافع ، والضار : هو الله وحده سبحانه .
وما يجري على ألسن بعض الناس من قوله : ” أؤمِّن مستقبلي ، أو مستقبل أولادي ” : فهذه الألفاظ التي يستعملها من يغلو في الاعتماد على النفس والمناصب والماديات وحدها.
فينبغي للمسلم أن يبتعد عن مثل هذه الألفاظ ، التي تقدح في كمال توكله على الله ، وفي كمال رجائه لله ، وخوفه منه ، وأن يلجأ إلى الله سبحانه ويتضرع بين يديه في الشدة والرخاء ، مع الأخذ بالأسباب المشروعة ، كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” 2 ( 2 / 505 – 507 ) .
ثالثاً :
السفر إلى بلاد الكفر فيه مخاطرة عظيمة على الدين والأخلاق ،والذي يعيش في تلك الديار قد يحصِّل مالاً ، لكن ذلك – في غالب الأحيان – سيكون على حساب شيء كثير من دينه وسلوكه ، وإن نجا هو من ذلك فلن تنجو أسرته من بنين وبنات بسهولة ، فهو يخاطر ويغامر ، ولكن للأسف يخاطر ويغامر بدينه ، وقلَّ من يسلم .
وبما أن الله تعالى جعل لكم باب رزق في بلاد عربية مسلمة : فأنتم في غنى عن المخاطرة ، فالتزم التقوى ، واحرص على الفضيلة ، ولا تلتفت لبناء دنيا على حساب دين ، ولا تعمِّر دنياك بخراب آخرتك .
واعلم أن كثيرين عضوا – ويعضون – أصابع الندم على ذهابهم لتلك البلاد ، وعدم قدرتهم على الرجوع لبلادهم ، إما فتنة بالحياة هناك والمال ، وإما بسبب عجزه وضعفه بسبب كبر أولاده ، وعدم القدرة على السيطرة عليهم ، فانظر إلى الهالك كيف هلك ولا تسلك طريقه ، وانظر إلى الناجي كيف نجا واحرص على المشي على طريقه .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل تجوز الهجرة إلى بلاد الكفر للعمل فيه ، وهل يجوز أخذ جنسية غير جنسية إسلامية ؟ .
فأجابوا :
“إذا أردت العمل وطلب الرزق : فعليك بالسفر إلى بلاد المسلمين لأجل ذلك ، وفيها غنية عن بلاد الكفار ؛ لما في السفر إلى بلاد الكفر من الخطر على العقيدة ، والدين ، والأخلاق ، ولا يجوز التجنس بجنسية الكفار ؛ لما في ذلك من الخضوع لهم ، والدخول تحت حكمهم” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 12 / 58 ) .
ونسأل الله تعالى أن يرزقك رزقاً حسناً ، وأن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يثبتك على الحق ، وأن يجمع شملك مع أسرتك على طاعته .
والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android