نسمع في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الحياة الآخرة السيدة مريم أم عيسى عليه السلام ، وآسية زوجة فرعون ، وكلثوم أخت النبي موسى عليه السلام .
ما هو الثابت من هذا في الأحاديث ، وما هو غير الثابت ؟
الأحاديث الواردة في زواج النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة من مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وكلثوم أخت موسى عليه السلام
السؤال: 111279
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
جاء في بعض الأحاديث المروية ما يدل على أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم سيتزوج في الجنة كلا من السيدة مريم البتول أم عيسى عليه السلام ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وكلثوم أخت موسى عليه السلام .
ونحن نورد هنا ما ورد من ذلك ، مع مناقشتها من حيث القبول أو الرد :
الدليل الأول :
ما جاء في تفسير قوله تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) التحريم/5
فقد روي عن بريدة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية قوله :
( وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يزوجه ، فالثيب : آسية امرأة فرعون ، وبالأبكار : مريم بنت عمران )
رواه الطبراني في “المعجم الكبير” – نقلا عن تفسير ابن كثير (8/166) وإلا فلم أقف عليه في المطبوع بين أيدينا من المعجم الكبير – قال : حدثنا أبو بكر بن صدقة ، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق ، حدثنا عبد الله بن أمية ، حدثنا عبد القدوس ، عن صالح بن حَيَّان ، عن ابن بُرَيدة ، عن أبيه به .
وهذا إسناد ضعيف .
صالح بن حيان : جاء في ترجمته في “تهذيب التهذيب” (4/386) قول ابن معين فيه : ليس بذاك ، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ، شيخ ، وقال النسائي : ليس بثقة . وقال ابن حبان : يروى عن الثقات أشياء لا تشبه حديث الأثبات ، لا يعجبنى الاحتجاج به إذا انفرد .
كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال :
( دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بمارية القبطية سريته ببيت حفصة بنت عمر ، فوجدتها معه…- فذكر حديثا طويلا ، جاء في آخره – :
فوعده من الثيبات آسية بنت مزاحم امرأة فرعون وأخت نوح ، ومن الأبكار مريم بنت عمران ، وأخت موسى عليهم السلام )
رواه الطبراني في “المعجم الأوسط” (3/13) قال :
حدثنا إبراهيم ، قال حدثنا هشام بن إبراهيم أبو الوليد المخزومي إمام مسجد صنعاء ، قال أخبرنا موسى بن جعفر بن أبي كثير مولى الأنصار ، عن عمه ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة به .
ثم قال : ” لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ، تفرد به هشام بن إبراهيم ” انتهى .
وهذا إسناد منكر .
موسى بن جعفر جاء في ترجمته في “لسان الميزان” (6/113) قول الذهبي : ” لا يعرف وخبره ساقط ” انتهى. ثم قال الحافظ ابن حجر : ” ولفظ العقيلي لما ذكره : مجهول بالنقل ، لا يتابع على حديثه ، ولا يصح.
وأظن أن الذهبي حكم عليه بالبطلان لِما في آخره من الخطأ ، وأما قصة مارية فلها طرق كثيرة تشعر بأن لها أصلا ” انتهى. وضعفه السيوطي في “الدر المنثور” (8/216)
الدليل الثاني :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
( جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت خديجة فقال : إن الله يقرئها السلام ، ويبشرها ببيت في الجنة من قَصَب ، بعيد من اللهب ، لا نَصَب فيه ولا صَخَب ، من لؤلؤة جوفاء ، بين بيت مريم بنت عمران ، وبيت آسية بنت مزاحم )
رواه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (70/117) قال : أخبرنا أبو المظفر بن القشيري ، وأبو القاسم زاهر بن طاهر ، قالا أنا محمد بن عبد الرحمن ، أنا أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس التميمي ، أنا أبو الوليد محمد بن إدريس الشامي السرخسي ، نا سويد بن سعيد ، نا محمد بن صالح بن عمر ، عن الضحاك ومجاهد، عن ابن عمر به .
وهذا إسناد منكر أيضا ، فيه عدة علل :
1- محمد بن صالح بن عمر، قال الذهبي في “ميزان الاعتدال” (3/581): مجهول.
2- سويد بن سعيد الحدثاني: ترجمته في “تهذيب التهذيب” (4/275) وفيها تضعيف كثير من أهل العلم له، وأنه كان يقبل التلقين.
3- أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس (378هـ) : ترجم له الذهبي في “تاريخ الإسلام” (26/633) وقال: شيخ صالح مسند.
الدليل الثالث :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت فقال :
( يا خديجة ! إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام . فقالت : يا رسول الله ، وهل تزوجت قبلي ؟ قال : لا ، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وكلثم أخت موسى )
رواه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (70/118) قال : أخبرنا أبو غالب محمد بن عمرو بن محمد الشيرازي بأصبهان ، أنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب المقرئ ، نا القاضي أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد البردي إملاء ، أنا أبو بكر هلال بن محمد بن محمد بالبصرة ، نا محمد ابن زكريا الغلابي ، نا العباس بن بكار ، نا أبو بكر الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس به .
وهذا إسناد منكر أيضا .
أبو بكر الهذلي : ترجمته في “تهذيب التهذيب” (12/46) وفيها اتفاق المحدثين على تضعيفه جدا ، وأنه أخباري متروك الحديث .
وقال ابن كثير في “تفسير القرآن العظيم” (8/166) : ضعيف أيضا .
الدليل الرابع :
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أُعْلِمتُ أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون . فقلت : هنيئًا لك يا رسول الله )
رواه أبو يعلى – ومن طريقه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (70/118) – والطبراني في “المعجم الكبير” (8/258) ، والعقيلي في “الضعفاء الكبير” (4/459) ، وأبو الشيخ في “طبقات المحدثين بأصبهان” (4/113) وأبو نعيم في “أخبار أصبهان” (رقم/1460) ، وابن عدي في “الكامل” (7/180) جميعهم من طريق :
عبد النور بن عبد الله ، حدثنا يونس بن شعيب ، عن أبي أمامة به .
وهذا إسناد موضوع .
عبد النور كذاب ، قال العقيلي : ” كان غالياً في الرفض ، ويضع الحديث خبيثاً ” وقال الذهبي : ” كذاب ” انتهى. ويونس بن شعيب : قال فيه البخاري : “منكر الحديث” ، وقال العقيلي : “حديثه غير محفوظ” ، وقال ابن حبان في “المجروحين” (3/139) : “لست أعرف له من أبي أمامة سماعا ، على مناكير ما يرويه في قلتها ، كأنه كان المتعمد لذلك ، لا يجوز الاحتجاج به بحال” . وانظر “لسان الميزان” (6/332)
قال الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (7053) : ” وهذا إسناد موضوع ” انتهى.
الدليل الخامس :
عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( دخل علي رسول الله مسرورا ، فقال : يا عائشة ! إن الله عز وجل زوجني مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم في الجنة .
قالت : قلت : بالرفاء والبنين يا رسول الله )
رواه ابن السني في “عمل اليوم والليلة” (2/683-684/604-عجالة الراغب المتمني) والديلمي في “مسند الفردوس” (8620) ، قال ابن السني :
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المديني بعمان ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، ثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها به. قال أبو بكر بن السني : كذا كتبته من كتابه .
وهذا إسناد ضعيف ؛ فيه تدليس أبي إسحاق السبيعي ، وهو من أهل المرتبة الثالثة من المدلسين في تصنيف الحافظ ابن حجر ، فلا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث ، كما لم نقف على ترجمة لشيخ ابن السني : أحمد بن إبراهيم المديني .
الدليل السادس :
عن سعد بن جنادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( إن الله عز وجل قد زوجني في الجنة مريم بنت عمران ، وامرأة فرعون ، وأخت موسى )
رواه الطبراني في “المعجم الكبير” (6/52) – ومن طريقه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (70/118) – قال الطبراني : حدثنا عبدالله بن ناجية ، ثنا محمد بن سعد العوفي ، ثنا أبي ، ثنا عمي ، ثنا يونس بن نفيع ، عن سعد بن جنادة به .
وهذا إسناد ضعيف جدا .
قال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (9/218) : ” رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفهم “انتهى.
وقال الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (7053) : ” فيه من يعرف بالضعف… محمد بن سعد – هو: ابن محمد بن الحسن بن عطية -: قاضي بغداد ، وفيه لين ، وأبوه سعد مثل يونس بن نفيع ؛ لم أجد لهما ترجمة . وعمه هو : الحسين بن الحسن بن عطية ؛ قال الذهبي في ” المغني ” : ” ضعفوه “. انتهى.
الدليل السابع :
عن ابن أبي رواد ، قال :
( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة وهي في مرضها الذي توفيت فيه ، فقال لها : بالكره مني ما أرى منك يا خديجة ، وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا ، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران ، وكلثم أخت موسى ، وآسية امرأة فرعون ؟ قالت : وقد فعل الله بك ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم . قالت : بالرفاء والبنين )
رواه الطبراني (22/451) ، ومن طريقه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (70/119) وأبو نعيم الأصبهاني في “معجم الصحابة” (رقم/6738) ، ورواه ابن الجوزي في “المنتظم في التاريخ” (1/267/ ترجمة خديجة) من طريق ثنا الزبير بن بكار ، حدثني محمد بن حسن ، عن يعلى بن المغيرة ، عن بن أبي رواد به .
وهذا سند منقطع معضل .
فإن ابن أبي رواد هو عبد العزيز بن عبد المجيد بن أبي رواد من كبار أتباع التابعين ، توفي سنة (159هـ) وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد” (9/218) : ” منقطع الإسناد ، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف ” انتهى.
والخلاصة أن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها ضعيفة منكرة ، لا يصح منها شيء ، ولا تجوز نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز الخوض بما جاء فيها ، فذلك من الغيب الذي لم يطلعنا الله عليه ، ويجب أن نكل أمره إلى الله عز وجل .
يقول ابن كثير في “البداية والنهاية” (2/75) بعد أن ساق مجموعة من أحاديث الباب :
” وكل من هذه الأحاديث في أسانيدها نظر ” انتهى.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب