0 / 0

والدها بخيل ، ويكره زيارتها له ، ويعاقب أمها إن جاءت للزيارة

السؤال: 111960

والدي حريص جدّاً على المال ، إلى درجة أنه يكره الضيف ، لكنه في الأيام الأخيرة صار يكره قدومنا نحن – بناته – إلى البيت ، رغم أننا كنا نزوره ، ونطلب من والدتنا أن لا تضيفنا شيئاً ؛ لأنه بعد ذلك سيعاقبها ! بمنع النفقة عليها ، وعلى أختي ، ورغم ذلك كنا نذهب إلى زيارته ، وفي يوم من الأيام طردني أنا وأختي ( نحن متزوجتان ، وزوجانا يحترمانه ) وهو يسبب لنا الحرج معهما .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
قد أحسنت أنت وأختك بصلة والديكما ، وزيارتهما ، والسعي نحو الأكمل في برِّهما ، وهي وصية الله للأولاد ، وهذه الوصية تشمل الوالدين اللذين بلغا من السوء والشر والفساد أن يجاهدا أولادهم حتى يتركوا دينهم ، فكيف من كان أقل من ذلك سوء وشرّاً وفساداً ؟! وقد أحسن من عمل بما يعلم .
قال الله تبارك وتعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/ 14 ، 15 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
( وَإِنْ جَاهَدَاكَ ) أي : اجتهد والداك ، ( عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما ؛ لأن حق اللّه مقدَّم على حق كل أحد ، و ” لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ” .
ولم يقل : ” وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما ” بل قال : ( فَلا تُطِعْهُمَا ) أي : بالشرك ، وأما برُّهما : فاستمر عليه ، ولهذا قال : ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) أي : صحبة إحسان إليهما بالمعروف ، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي : فلا تتبعهما .
” تفسير السعدي ” ( ص 648 ) .
فعلى الأولاد – ذكوراً وإناثاً – أن يعقلوا وصية الرب تعالى ، وأن يعلموا أن اتصاف والديهم بالدعوة إلى الكفر ليس بمبيح لهم العقوق ، والإيذاء بالقول والفعل ، فأولى أن تبقى صلتهم ، ويستمر برهم لمن كان مسلماً وإن ساء خلقه .
ثانياً:
مما لا شك فيه أن البخل صفة ذميمة ، وأن الحرص على جمع المال بِنَهم ، وعدم إنفاقه في وجوهه الشرعية : من الصفات القبيحة التي لا يليق بمؤمن أن يتخلق بها ، وقد يصيبه من الإثم ما يصيبه إن كانت تلك الوجوه من النفقة واجبة عليه ، كالزكاة ، والإنفاق على الزوجة ، وعلى الأولاد العاجزين عن الكسب .
وقد جاء ذم البخل وأهله في هذه الشريعة المطهرة ، ومن ذلك :
1. قال سبحانه وتعالى: ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ) النساء/ 37 .
2. وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ) الليل/ 5 – 10 .
3. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفاً ) .
رواه البخاري ( 1374 ) ومسلم ( 1010 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
وأما الدعاء بالتلف : فيحتمل تلف ذلك المال بعينه ، أو تلف نفس صاحب المال ، والمراد به : فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها .
قال النووي : الإنفاق الممدوح : ما كان في الطاعات ، وعلى العيال ، والضيفان ، والتطوعات .
وقال القرطبي : وهو يعم الواجبات ، والمندوبات ، لكن الممسك عن المندوبات : لا يستحق هذا الدعاء ، إلا أن يغلب عليه البخل المذموم ، بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ، ولو أخرجه .
” فتح الباري ” ( 3 / 305 ) .
فاتصاف والدك بالبخل والحرص على فتات الدنيا : خلق ذميم ، وكراهيته لبناته من أجل ذلك البخل والحرص : يدل على تمكن تلك الصفة القبيحة فيه ، ومنعه النفقة على زوجته وابنته : من المحرَّمات ، وهو أمر يبيح لوالدتك الأخذ من ماله دون علمه وإذنه ؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة – زوج أبي سفيان ، وقد اشتكت عدم نفقته عليها – : ( خُذُي مَا يَكْفِيكِ وَوَلدَكِ بِالمَعْرُوف ) رواه البخاري ( 5049 ) ومسلم ( 1714 ) .
وأنتِ وأختكِ عليكما مراعاة صفات البخل والحرص عند والدكما ، وعدم التسبب لوالدتك بالأذى والضرر ، ومثل هذه الصفات عنده تقتضي منكما عدم تكليفه نفقات الضيافة ، والتي تسبب له الضيق والضجر ، والمعلوم عن هؤلاء البخلاء والحريصين محبة الأخذ وليس الإعطاء ، فلو أحضرتما معكما عند الزيارة من الهدايا ، والأطعمة ، وما تيسر من الأغراض : لرأى في زيارتكما سعداً وفرحاً وسروراً ، ولتمنى أن تكثر منكما هذه الزيارات ، وفي الوقت نفسه : تعالجون ما عنده من حرص وبخل ، بالكلمة الحسنة ، والرفق ، واللِّين ، وبذلك تجمعون بين صلته ، وصلة والدتكما ، وعدم التسبب بالقطيعة لكما ، أو بمنع النفقة عن أمكما وأختكما .
والله أعلم

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android